تامر إدريس يكتب إنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي"





قد يظن البعض منا بأن مصطلح الهجرة خاص بحقبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأول فقط دون أدنى صلة له بحاضرنا نحن أو مستقبلنا كذلك...

 ولكن القصد كما في قول الله عزوجل في قصة "إبراهيم" - عليه السلام- :((فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))...

الهجرة لا تعني بالضرورة انتقال الجسد من موضع لآخر أو من بلد إلى بلد آخر لغرض من الأغراض كالفرار من الظلم والبطش والطغيان تماما كما حدث في هجرة بني إسرائيل زمن "موسى" -عليه السلام- من "فرعون" وجنده...

أو كهجرة "لوط" عليه السلام ومن آمن معه من بلدته التي أهلك الله أهلها بمعاصيهم أو كهجرة المسلمين الأوائل فرارا بدينهم إلى الحبشة؛ الأولى والثانية أو هجرتهم الأخيرة إلى المدينة المنورة...

الهجرة معنى متجدد لا يقترن بزمان دون غيره، ولا يتصف به قوم دون غيرهم؛ فعن "عائشة" رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم- :(لاهجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا ) رواه مسلم بلفظه، وأبو داوود، والبخاري بنحوه...

"الهجرة" تعني في اللغة: الترك والبعد والطرد والنأي والمجانبة لكل ما هو سيئ واقعا أو يعتقد فيه مستقبلا أن يكون كذلك، وهذا هو مقصودنا الأساس بالحديث عنها، نتجرد لنتفرد، ونترقى لنرقى، أن نبتعد عن المعاصي والآثام، ننجو بأنفسنا من المهالك، وننأى بأرواحنا عن المفاسد...

 أن نعتزم العودة من جديد؛ لنكون في حاضرنا كما كنا في أصل وجودنا البعيد؛ مصطفين، مبرئين، خالصين لله رب العالمين، خلقنا له وإليه نرجع، وذلك مصداقا لقوله تعالى : "ونفخت فيه من روحي، واصطنعتك لنفسي، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ادعوني أستجب لكم، وأنيبوا إلى ربكم"...

فالمهاجر من هجر مانهى الله عنه، بقلبه وعقله وروحه وليس بجسمه فقط، فقد يهلك الصالحون قبل غيرهم إذا كثر الخبث، وتعاظمت الجرأة على الله، وتسابق الخلق في التعدي على حدود الله، وشاع فيهم إتيان المحرمات دون وازع أو رادع...

قد آن الأوان لأن نتوب ونؤوب؛ ومما جاء في فتح الباري لشرح صحيح البخاري موافقا لتلكم الوجهة الرابحة قوله : (حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر قال :"سمعت عبد الله بن عمرو يقول؛ قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)...

ومما لا شك فيه أننا لن ننسى ما لهذه الفترات المضنية من فضائل حين يستغلها الإنسان بكل طاقته في العبادة والتضرع والتحصن بربه سبحانه، وذلك نظرا لفقدان المرء منا جل أسباب الإعانة على هذه الطاعة؛ حيث نجد الواحد منا محاطا بكل تلك المعوقات والمثبطات...

لذلك نجده لزاما علينا أن نعتصم ونتقوى بنهج الله سبحانه وبسيرته عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله _صلى الله عليه وسلم_:(( عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إليّ))...

ونحن إذ نتوجه إلى المولى عزوجل بقلوب راجفة وأنفس راجية، مبتهلين، خائفين، مستبشرين، آملين أن يخفف عنا وعن خلقه أجمعين شر ما نحن فيه من هم، وغم، وكرب، واضطراب، وبلاء، ووباء، وشقاء، وابتلاء؛ فإننا نتذكر وصايا الحبيب المصطفى _صلى الله عليه وسلم_في هذا الموقف العصيب والامتحان الرهيب...

 نمتثل لأمره وننتهي لنهيه؛ وفي ذلك نقتبس ضياء ماروي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه- حيث قال :قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال - صلى الله عليه وسلم - :(أمسـك عليكَ لسانكَ وليَســعْـكَ بَـيـتـُـك وابـكِ على خطــيـئـتـكَ) رواه أبو عيسى الترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن...

إخوتي في الله وأحبتي إليه؛ هاجروا قبل أن تغادروا، وتقربوا قبل أن تقبروا، واهجروا الذنوب لتقبلوا ولا تهجروا، نفعني الله وإياكم بما فيه، وجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه...

شاركه

عن احمدعبدالكريم

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus