التنمر علي ذو الهمم
بقلم ۔ د۔ نورهان عادل
تعددت أشكال العنف ضد الأطفال، لكن يظل العنف ضد ذوى الهمم واحداً من أكثر أنواع العنف ضد الأطفال شيوعاً، وطبقاً للعديد من الإحصائيات يعتبر ذوى الهمم أو أصحاب القدرات الخاصة من الفئات الأكثر عرضة للتنمر بين الأطفال.الأمر يتعدى الإساءة اللفظية والنفسية تجاههم، فقد يصل فى كثير من الأحيان لإيذاء جسدى وجنسى، خاصة فى ظل انعدام مفهوم السلوكيات الصحيحة المتعلقة بالتعامل مع ذوى الهمم بالشكل الصحيح الذى يليق بقدراتهم.
من الحظ العاثر أن يولد الطفل فى مجتمع يعظم أفكار العنف ضد ذوى الهمم ويخفض من فرص اندماجهم مع المجتمع، الأمر الذى يجعله منبوذ اجتماعياً ولا يخفى على أحد سلوكيات بعض الأطفال العنيفة تجاه ذوى الهمم من سخرية وإيذاء وعنف جسدى دون أن يكون للأسرة أى دور فى تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة أو عقاب كافى تجاه تلك السلوكيات.
وصمة التميز المجتمعى ضد أصحاب الهمم هى التى جعلت منهم هدفاً سهلاً أمام مرتكبى التنمر ضدهم، فالمجتمع ينظر لحماية الطفل العادى دون أن تتسق تلك الحماية مع ذوى الهمم، خاصة وأنهم يواجهون صعوبة فى التعبير عن طبيعة الإيذاء الذين تعرضوا إليه مع صعوبة تفسير غضب المُعنف ضدهم.
نقص الدور التوعوى للأسرة، مع الدور المجتمعى، بالإضافة للدور القانونى، هو ما شكل مثلثا من الرعب والتنمر يعيش بداخله طفل معنف اجتماعياً بسبب أنه واحد من أصحاب الهمم، والعنف ليس بالضرورة أن يكون خارجياً، ففى كثير من الأحيان يكون نابع من داخل الأسرة خاصة بالمجتمعات الأكثر فقراً وتعليماً ممن يعتقدون بأن ولادة طفل من أصحاب القدرات الخاصة هو شر يلحق بالأسرة لا مناص للهروب منه، لأنه يشكل عبئا على الأسرة بسبب تطلبه لرعاية خاصة.
فتبدأ سلسلة من وصلات التعذيب والإهانات والعنف الذى قد يصل فى أحيان كثيرة إلى القتل، وتنتهى حياة طفل لمجرد غياب الدعم الاجتماعى للأسرة، وتغاضى الوالدين عن احتياجاتهم الماسة للرعاية التى لن يجدوها بالخارج من المجتمع الذى قرر أن يضعهم فى معزل دون وضع أى اعتبار لمشاعرهم علماً بأنهم أطفال شديدى الحساسية والمشاعر تجاه كل ما يحدث حولهم.
يتفاقم الوضع يوماً تلو الآخر مع غياب آليات التبليغ التى تسمح للطفل بأن يعبر بشكل صحيح عن ما تعرض له، خاصة إذا كان تعرض للتنمر بمؤسسة للرعاية القائم عليها هو من يقوم بالتنمر ضده، ويعزز إهدار حقه رفض الأسرة تقديم شكوى بسبب بُعد التواصل بينهم وبين أبنائهم وإهمالهم بشكل يعرض حياتهم لخطر يصل للموت.
ولتصحيح ذلك المسار، يجب أن يضع المجتمع فى اعتباره أن مواجهة التنمر ضد ذوى الهمم جزء لا يتجزأ من محاربة التنمر والعنف ضد عموم الأطفال، فلن تفلح محاولات التصحيح القائمة على مبادرات فردية، دون أن يكون بينها وبين القطاعات الأخرى تعاون مستمر وتعزيز لبرامج حماية الأطفال من التنمر مع رفع الوعى لدى الأسرة بطريقة التعامل مع أطفالهم وتسليط الضوء على المخاطر التى تحدق بهم جراء ذلك الإهمال والتنمر.
0 التعليقات :
إرسال تعليق