بقلم/ شريف فتحي
ما زال الأمل على أعتاب المدينة ، يحاول الوصول لقلب تلك الشوارع الحزينة ، ألمّ الناس خطب لا يطاق ، ظلم فاض وانتشر كالموج على رءوس الصخور العتيقة ، كثرت الدعوات ، تدعو برفع الظلم ، وارتفعت الأيدي إلى الفضاء الفسيح ، والعيون شاخصة إلى السماء ، تعلو نظرتها الرجاء دامعة ، سكوتها صراخ ، وأنين الفؤاد يسمع خلف قضبان الصدور ، والروح التائهة تريد الوصول إلى العالم الملائكي بدون قيود ، هائمة .. إلى أين يسير هذا العالم بما فيه ؟ كيف يرضى الإنسان لنفسه حمل الأمانة وبنفسه يضيعها ! تشفق من حملها السموات والأرض ، ويقبلها جهلا بما بها وظلما ، يأخذه الغرور أن يملك ما لا يملك ، وهو نفسه ملك لغيره ، لا يملك روحا ولا نفسا ولا مالا ولا ولدا ، لا يملك حتى أن يسعد نفسه ، أو يضمن لها السعادة أن تستمر ، فحتما ستتركه وتمضي ، أو يتركها هو ويمضي
كيف تنسى أيها الإنسان ذلك التراب والقبر المظلم ، حيث لا مؤنس لك إلا الله – عز وجل – كيف ستلقاه ! وحتما لك ستلقاه ، هل تفر منه ، وهو يدعوك أن تفر إليه ، كيف تهنأ بحياة تعلم يقينا مآلها .. هل فكرت في تلك الوحدة والوحشة والظلمة .. والله - الذي لا اله إلا هو - لن تمضي إليها على قدميك ، ولكن محمولا ، شئت أم أبيت .. دعاك ربك إلى رحمته وأرسل لك الرسل والأنبياء تترا ينادون نداء واحدا : " يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " عاديت ربك وهو الملك ، ومضيت معرضا عن جنته ، في غفلة تلهو ، أعماك الكبر والغرور وأكثرت من الشرور .. أفسدت برا ، وبحرا ، وجوا بيديك .. إحساس تبلد .. وقلب تحجر .. لا يرى بعينيه ، ولا يسمع بأذنيه ، فذق من صنيع ما فعلت ، ومن إفسادك شيئا مما جنيت .. لعلك إلى ربك ترجع وتتوب
وهنا يقول شاعرنا
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
فكيف يجوز لك - بأي حال من الأحوال - إيذاء أحد في نفسه ، أو ماله ، أو سائر حقوقه الأخرى لاعتناقه فكرا ونهجا أو عقيدة معترفا ومؤمنا بها ، ولا يجوز لك أن تقطع شجرة يستظل بها الناس ، أو ترهب أناسا آمنين ، أو تصنع من نفسك سيفا على رقاب الآخرين ، تذكر أن هذا الكون أجمعه يشهد عليك يوم القيامة .. تشهد عليك قدماك ، وتتحدث عنك يداك ، انطق الله الجوارح بقدرته ، والكل أمامه ينتظر ، فلا تعجب من هذا وذاك ، وكن علي حذر، فأنت العبد الضعيف ، وإليه يرجع الأمر .. وإن كان هناك من يجادل عنك في الدنيا ، فمن ذا يجادل الله عنك يوم القيامة ؟ والكل قد أشفق على نفسه " لكل إمرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " هل قدمت لنفسك ما ينفعك ، هل قدمت لنفسك ما يسترك ، عندما تقف بين يديه فيسألك عما فعلت ، وعما أذنبت ، وعما قدمت ، هل أعدت له ردا ؟ وكيف لك هذا ؟ وقد جعلت ربك أهون الناظرين إليك ،
ما لكم لا ترجون لله وقارا .. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسِبوا الناس وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا ، أفتظلمون اليوم ، وغدا تنتظرون النجاة
0 التعليقات :
إرسال تعليق