بداخل كل منا الكثير من الشخصيات التي لم يتعرف عليها من قبل؛ ربما لدواعي الخجل من الاعتراف بهذه الصفات، وربما لعدم إتاحة الفرصة لها كي تظهر..
ولكن تحت الحظر كان هناك الكثير من الوقت الذي اقتربنا فيه من أنفسنا، وصادقناها لنعرف ما يجول بخاطرها وما أضمرته وكنا عنه في زحام الحياة نغفل..
وكي لا أطيل عليكم، دعونا نبدأ أول حكاية...
..حكاية جميلة..
أنا اسمي جميلة..
أراك تبتسم وتتوقف عن القراءة لتنظر إلي من أعلى نظارتك لتتأكد من الاسم؛ نعم أعترف أن هذا ليس اسمي، ولكنني من اليوم اعتبرته اسمي ولن أنادي نفسي في المرآة بغيره..
أنهيتُ عشرين خريفًا، في صراع ونزاع بيني وبين الحياة..
ليس لي ذنب في كل هذه النظرات التي ترمقني من كل الشقراوات اللاتي يقابلنني في أي مكان، ويتندرن ببشرتي السمراء، أوترى إحداهن خصلات شعري المتشابكة الهاربة من مقدمة حجابي، أو تلك الرؤوس الدبوسية المنتشرة من تحت الحجاب لأبدو كالقنفذ المنبوذ بين مجموعة القطط الشيرازية التي اجتمعت للتو لاختيار ملكة جمالهن..
وبعد هروبي من هؤلاء المتأنقات تفترسني نظرات الملتزمات، اللاتي ارتدين الحجاب دون تفريط أو إفراط، فينظرن لي بنظرة ازدراء أو في أحسن الأحوال نظرة شفقة على حجابي الهزيل الذي لا يخفي من التفاصيل ولا يحمي من متطفلي النظرات.
أعود كل يوم من جامعتي لأشكو لمرآتي ما انهال عليّ طوال اليوم من تراكمات؛ جبال من السخرية وتلال من التعليقات..
أنفك الكبير كفوهتيّ بركان، ثغرك الغارق في وجه بلا عنوان، عيناكِ الغائرتان، بشرتك الفاحمة، وقامتك المتقزمة...
كفى! كفى!!!
كرهتُ مرآتي وصارت هي الأخرى مصدر تعاستي، وبعد الحظر لم يعد لي رفيقة سواها..
أرى فيها نظرات عيونهم، وهمس شفاههم، أراهم يقفون ويتغامزون وكأنهم لا يفهمون أنني أدري..
سئمتُ أصوات همسكم من خلفي، وكرهت ابتساماتكم الباردة..
كرهتُ وجهي الملطخ بالألوان كي تعجبكم، ومن اليوم لا ألوان، ولن أتخفى من أمام أعينكم..
من اليوم أنا جميلة.. هكذا أخبر بها نفسي، وأقولها لمن حولي..
لن ألجأ لطبيب ليرسم لي عينًا أو يضخ دهناً في شفاهي كي تعجبكم..
لن ألجأ لمصفف يمسد شعري عدة شهور يبدو فيها أملساً كي يسركم..
لن أرسم لوحة على وجنتيّ وجفناي كي تبهركم..
ولن أرتدي الممزق والضيق كي يدهشكم..
أنا الآن جميلة، بما وهبني الله من جمال بداخل روحي المسالمة، لي وحدي وليس لكم..
وأمام مرآتي أقف كل يوم فخورة بكوني أنا، ولا أحد غيري..
0 التعليقات :
إرسال تعليق