.ان لم تكن مان لم تكن مصر... فمن يكن ؟؟ بقلم / غادة العليمي




يقال عن مصر أنها أم الدنيا ويتباهى البعض باللقب المهيب ويصدق عليه ويسخر البعض الاخر منه ويكذبه ولا أحد يقف ويبحث ويفتش ويتسائل عن المعنى.. ولما مصر وحدها أم الدينا
والحقيقة أن الاجابة مسطوره فى كتب التاريخ ليس تاريخ مصر وحدها ولكن تاريخ المنطقة وتاريخ العالم أجمع
وشكرا لله أن ثمة مؤرخون لم يبخلوا بالعلم لمن يريد أن يتعلم أما الجاهل السعيد بجهله فلا شأن لنا به.. شرط أن ينتحى بجهله عنا ولا يتحدث ما دام لا يعلم
مصر فعلا أم الدنيا مأوى كل سكان الأرض فى كل الأزمنة وسنذكر الحديث منها فقط كى نوجز الكلمات ، لأن الحصر يحتاج مراجع لا تساعها أرفف المكتبات العادية
فقد كانت مصر تقريبا أكثر بلدان العالم أستقبالا للمهاجرين ‏من كل حدب وصوب، وبمعنى أدق الهاربين من الجحيم في بلادهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما إجتاحت ‏المجاعات بلاد المغرب والجزائر من ٤٠٠ عام هرب الآلاف من أهل تلك البلاد خوفا من الجوع ولم يجدوا ملاذا لهم سوى مصر فكانوا ‏يدخلونها قبائل كاملة بالآلاف ،
وعندما طرد الأسبان المسلمين المخلطين المعروفين بإسم ‏الموريسكيين لم يجدوا بلد تستقبلهم سوى مصر وإستقر معظمهم في كفر الشيخ والمنصورة، وعملوا في التجارة وكسبوا الكثير من المال، حتى أنه  بعد ان أصبحت ‏الأحوال أفضل في بلادهم فضلوا البقاء فى مصر
أيضا من حوالي 150 سنة عندما قامت حرب أهلية كبيرة في لبنان بين الدروز والموارنه لدرجة إن الدروز كانوا يقتلون ‏كل يوم أكثر من الف لبناني موروني
لم يجد هؤلاء ملاذا لهم غير مصر فهاجروا إليها بالآلاف ومعظمهم إستقر في ‏المنصورة وخرج منهم رئيس لبنان المعروف باسم أمين الجميل، أما الدروز أنفسهم فقد هربوا أيضا أثناء حروبهم إلى ‏مصر وكان أشهر من هربوا منهم الفنان الكبير فريد الأطرش وعائلته وهكذا إستقبلت مصر كل المتحاربين وعاشوا على أرضها فى سلام
وفي بداية القرن ‏العشرين حدثت مذابح الأرمن الشهيرة على يد الأتراك فهرب الأرمن من جحيم الأتراك ولم يجدوا ملاذا لهم سوى مصر ‏وهناك فرق بين الموارنة والأرمن لان البعض يخلط بينهم وعمل الأرمن في كل الأعمال بمصر وخرج منهم ‏الفنانة نيللي ولبلبة وفيرزو وأنوشكا ولايزال الأرمن يعيشون بيننا ، أما المثقفون السوريون فكان الأتراك أثناء احتلال تركيا ‏لسوريا يضيقون الخناق عليهم فلم يجدوا سوى مصر ليهربوا إليها وعملوا فى مصر بالصحافة وتفوقوا فيها  حتى أن ‏الأهرام أهم جريدة مصرية كانت جريدة سورية فى الأصل تحمل اسم أشهر اثار مصر ،   وعملوا كذلك بالمسرح وبرعوا فيه ، أما اليونانيون ‏فكانت الحرب الأهلية تمزقهم فهربوا بالآلاف إلى مصر وكونوا جالية عظيمة عاشت عمرا   طويلا مازالت أسماء محلاتهم تشهد عليهم فى الإسكندرية ووسط القاهرة
 حتى الإيطاليين أثناء ‏الحرب العالمية الأولى والثانية هربوا من جحيم الحرب إلى مصر ولم يجدوا أجمل من مصر ليعيشوا بها وأكبر تجمعاتهم ‏كانت في إسكندرية والمنصورة، ولعل أشهرهم الفنانة الإيطالية داليدا بنت شبرا المولودة في مصر حتى آخر ملوك إيطاليا ‏اختار مصر ليموت بها، وكذلك آخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوي لم يجد سوى مصر تستقبله ليقضي آخر سنة له ‏بها، حتى الملك سعود عندما خلعه إخوته من حكم السعودية لم يجد ملاذا له سوى ‏مصر تستقبله على أرضها ، أما اعظم ثائر كونغولي وهو بياتريس لومومبا عندما قامت بلجيكا بقتله بوحشية تم تهريب ‏أبناءه إلى مصر ليعيشوا  بمصر ،
 أما اطهر وارق من هرب من الجحيم إلى مصر فكانت السيدة زينب ‏حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائلتها الطاهرة من أهل البيت الشريف التي لم تجد أفضل من مصر لتستقبلها ‏ولازلنا نحتفل بقدومها إلى مصر كل عام في مولدها الشهير، وقبلها بسنين طويلة عندما هربت عائلة سيدنا يوسف من ‏جحيم المجاعة لم يجدوا سوى أخوهم ليستقبلهم في مصر ويعيشون جميعا على أرضها مئات السنين ويكونون بها القبائل ‏الإسرائيلية الرئيسية التي تحولت لألد أعداء مصر بعد ذلك، أما الهجرة السودانية والنوبية إلى مصر فكانت مستمرة عبر ‏التاريخ. ‏
ولمن لا يستهويه قراءة التاريخ البعيد ينظر حوله سيجد قبائل وٱسر من اخواتنا السوريين والعراقيين الهاربين من جحيم الدواعش ينعمون بيننا فى سلام
وقبلهم اهل الكويت الذى آمنا خوفهم وٱحتضنا اولادهم وأعدنا إليهم ارضهم وتحملنا ضعف ذاكرة بعضهم
المقصد ان  كل من  كان يعاني إما من الحروب أو المجاعات لا يجد سوى مصر ليهرب إليها في حين ان ‏مصر لاقت  من الأهوال عبر تاريخها مالا يمكن احتماله ولم يذكر التاريخ هجرة جماعية واحدة لاهل مصر ، حتى حين وصل الحال بنا في احد الأزمنة ان ‏كان المصريين يموتو جوعا لدرجة نبش القبور واكل الجثث، ولكن لم يفكروا في تركها والهرب منها
وتجد لذلك فى مصر  اكبر عدد سكان ، ولكنها لم تغلق ابوابها فى وجه وافد طوال تاريخها القديم والحديث ، وإحتضنت الجميع وكافئها التاريخ وامتن لها المشردون والنازحون بأن منحوها لقب ام الدنيا.. الذى اظنه قليل جدا عليها
و كرمها الله بالذكر فى كتابه الحكيم اكثر من مرة ووصفها رب العزة بالامن والامان ( إدخلوا مصر ان شاء الله امنين)صدق الله العظيم .. ومن اصدق من الله قولا  ومن أوثق من التاريخ دليلا.. ومن يستحق لقب ام الدنيا ان لم تكن مصر فمن يكون ؟؟
#غادة_العليمى
شاركه

عن الكاتبة الصحفية دعاء سنبل

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus