ومر الأول من إبريل / نيسان دون كذبته المشهورة.. على غير عادته، وعلى غير طباعه التي اعتدناها، وألفناها وكنا نجهز لها من قبل قدومه بأيام وربما شهور في بعض الأحوال..
مرّ كيومٍ عادي بلا ملامح تميزه، بلا مساحيق تجمله أو تخفي معالمه.
مرّ مرور الكرام!!
ولكننا اكتشفنا الأسوأ.. وأدركنا مؤخرًا أنه لم يكذب من قبل، وأن كذبته كانت الأهون، وأننا نعيش في وهم أكبر، وكل حياتنا كانت مجرد كذبة لا أكثر.
فها نحن الآن نجلس في بيوتنا التي كنا لا نطيق البقاء بين جدرانها لساعات ونلقي بأنفسنا في أحضان الشوارع والأماكن الأخرى ونعود إليها كمن عاد إلى سجنه.
وها نحن نذرف الدمع على مساجد أوصدت أبوابها في وجوهنا وقد كان الكثير منا لا يزورها إلا في رمضان ويهجرها بقية العام..
وها نحن أصبحنا نحِنُّ لروتين العمل ووتيرة الأيام المملة التي طالما سئمناها وتمنينا زوالها والآن صرنا نستشعرها نعمة..
وها نحن نرى شوارعنا الخاوية من الحياة ومن عناق خطوات المارة، ننظر إليها من خلف نوافذ الحسرة ونعضّ على الشفاه..
آه لو عادت تلك الأيام ثانية!
نعم؛ كانت حياتنا كلها كذبة..
من ظننا أننا لا نستطيع فراقهم فارقناهم ولم يحدث شيء، من سئمناهم وتصورنا الحياة بعيدًا عنهم هي الجنة اشتقنا لهم ولعناقهم، ومن كرهناهم طويلًا أدركنا كم هي قصيرة هذه الحياة ولا تستحق أن نهدرها في هذه الكراهية.
لا تصدق أنك كنت تعمل جاهدًا وتنافس هذا وتؤذي ذاك لتؤمن حاجتك أو تؤمن مستقبل أبنائك، بل كنت تفعل ذلك لرغبة منك في كنز المال وربما غادرت الحياة قبل أن تستمتع به وتشتري ما حلمت به.
الآن فقط عرفت أنك كنت تكذب؟
لا تصدق أنك كبرت وتريد أن تثبت ذاتك ووجودك بعيدًا عن نجاحات والديك؛ بل كنت تريد التخلص من قيودهما التي توهمتها وكذبت على نفسك.
لا تصدق أنك تتاجر لتكسب، أنت في الحقيقة تكذب.. كل ما أردته هذه اللحظة الحاسمة التي تشعر فيها بلذة الانتصار على غريمك والفوز بما يملك؛ فلم يكن النجاح والمكسب هدفك، ولكن هدفك خسارة من أمامك.
للأسف صدق إبريل وانكشفت كذبتنا الكبرى التي استشرت وتوغلت في نفوسنا وتوزعت.
وما زلنا للأسف نعيشها ونتجرع سمومها ونلهث خلفها كمن أدمن سحرها؛ فهل انطفأت الحقيقة أمام عينيه وفقدت بريقها أم أننا فقدنا البصيرة وصرنا كالذين:
(في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ).
0 التعليقات :
إرسال تعليق