د/أحمـــــــــــــــــد مقلــــــــــــــــــــــــــــــد
لقد أحتوى التراث الشعبي المصري على عادات وتقاليد لها جذورها التاريخية وأصولها الفلسفية والتي لها خصوصية تميزها عن باقي الأمم وتتضح ملامح تلك العادات والتقاليد في الاحتفال بالمناسبات والأعياد الشعبية حيث نجد أنفسنا نمارس طائفة من هذه العادات والتقاليد في مناسباتنا وأعيادنا حتى أصبحت شبه دستور عند عامة الشعب في المدن والقرى لما لهذه المناسبات والأعياد من جذور ممتدة في الماضي السحيق وقد توارثنا الكثير منها عن أجدادنا قدماء المصريين ومع مرور الزمن تنوعت أعياد مصر عبر العصور واختلفت مظاهر الاحتفال بها من الماضي إلى الحاضر ولكن تظل المعتقدات المرتبطة بالمناسبات ثابتة ولكن الذى يتغير هو أسلوب التعبير عنها تبعا للتطور الحضاري والتقدم العلمي . لذا فإنه من الضروري التأكيد على تأصيل الهوية المصرية والمحافظة على الرموز المرتبطة بالمناسبات والاعياد الشعبية المصرية والتأكيد على القيم المصرية الاصيلة المرتبطة بجذورنا التاريخية. وهذا العيد يمثل يوم عطلة رسمية بجمهورية مصر العربية فهو بمثابة إعلان رسمي عن بداية فصل الربيع والذي يبدأ في اليوم التالي لعيد الفصح المسيحي الشرقي.
وقد تم إستخدام مصطلح المناســباتCEREMONY)) كمرادف عام لكلمة طقس (مفرد كلمة : طقوس) ومع ذلك فأنه من المفيد أن نفرق بين المصطلحين فالحفل المراسمي هو أداء أسلوبي يتخذ شكلا محدداً وغالباً ما يكون عاما ويتضمن دائما أكثر من مشارك أو مراقب، وهو يميز تراثاً ثقافياً معيناً ولذلك فإن دراسة الحفل المراسمي هي دراسة لأشكال الأداء الأسلوبية هذه وسياقها الثقافي والاجتماعي والطقسي أما دراسة الطقس ذاتها فهي أكثر اتساع من دراسة الحفل المراسمي الذى قد يصاحبه وهى تتضمن دراسة الجوانب الرمزية والدينية السحرية للطقس وهناك الكثير من الحفلات المراسمي التي لا تتضمن عنصرا طقسياً، بمعنى أنها ليست لها سوى أهمية دينية طفيفة وليس لها أي دلالات رمزية ( كمنح درجة أكاديمية أو دبلوم في مجتمعنا الحديث ). حيث تعد حفلا مراسميا دون شك ولكن لا جدوى من دراسته كطقس. وهذا ما ذكرته الدكتورة جيلان محمد عباس، (1996): الأعياد والاحتفالات في مصر الإسلامية وجذورها التاريخية منذ الفتح العربي حتى نهاية عصر المماليك الجراكسة (21-923 هـ / 642-1517 م)، رسالة دكتوراة غير منشورة، جامعة حلوان، كلية السياحة والفنادق.
كما أنه قد تم تعريف كلمـة عيد (festival) من خلال المعجم الوجيز في باب (عاد) إليه، وله، وعليه – عوداً، وعودة: رجع وأرتد 0 ويقال (أعاده): كرره 0 وأعاد الشيء إلى مكانه: أرجعه ويقال: (عيد): شهد العيد وأحتفل به 0 والعيد هو كل يوم يحتفل فيه بذكرى حبيبة أو كريمة. (عـود) أي عاد إليه أو رجع إليه. والعيد هو إعادة ذكرى أو مناسبة كـريمة وحبيبة، وعيدوا أي شهدوا العيد، والجمع أعياد.
إذن فكلمة عيد ترتبط عادة على المناسبات الدينية التي تعود دائما ولا تنقطع والتي تذكر أحيانـا صراحة في الكتب السماوية، مثل ذكـر أعياد اليهود الخمسة الأساسية في التوراة، أو ذكـر عيدي الفطر والأضحى في الأحاديث النبوية الشريفة، كما سنذكر فيما بعد. وقد يصحب العيد احتفال أو لا يصحبه ولكن هـذا لا يلغى العيـد على الإطــلاق وهذا ما أكده: "ويينفريد بلاكمان" في كتابه "الناس في صعيد مصر العادات والتقاليد" ترجمة أحمد محمود، "1995".
ويعد إحتفال عيد شم النسيم من أهم أعياد مصر وأكثرها قرباً لنفوس المصريين لما يختلط به من تحسن في الجو وإنتشار الخضرة بلونها الجميل الذي يدخل في النفس السرور وتتفتح فيه الزهور، وهذا العيد له جذور تاريخية منذ آلاف السنين وقد إرتبط بمظاهر خاصة للإحتفال تتضح فيها بعض العناصر مثل (السمك + الخص + البيض الملون + الملانة + البصل + الملابس ذات الألوان الزاهية) 0
وهذه العناصر إرتبطت ببعض المعتقدات حيث نجد البصل يعد وسيلة لطرد الأرواح الشريرة أما السمك فقد أرتبط بهذه المناسبة لأنه بعد إنحسار الماء عقب فيضان النيل كانت تبقي بعض الأسماك في الطين فتتحلل وتكتسب بعد فترة الطعم المملح من الأملاح الموجودة في التربة وحين عثر المصري القديم على هذه الأسماك أعجبه طعمها فجعلها عنصراً من عناصر الإحتفال بعيد (شم النسيم) وكذا كانوا في هذا اليوم يلونون البيض بألوان زاهية وكانوا يتزينوا بالملابس الملونة بألوان جميلة.
وفى مناسبة (عيد وفاء النيل) كان القدماء يعتقدون أنه إذا لم تعقد الحفلات فإن النيل يمتنع عن الفيضان ولا يغمر الماء الأراضي ووفاء النيل هو بلوغه نهاية الذراع السادس عشر. لذا كانت تعقد الاحتفالات ويحضرها الفرعون نفسه أو نائبه بصحبة رجال الدين والعظماء وكان الكهنة يقومون بأداء الطقوس الدينية بينما القوم ينشدون الأناشيد على نغمات الموسيقى وفى الغالب كانت هذه الإحتفالات يقام جزء منها على سطح المراكب وقد ذاعت أيضا أسطورة إلقاء فتاة حسناء بأفخر الملابس وأجمل زينة لإلقائها في النيل وذلك جلبا لخير النيل وتوقعا لفيضان مناسب وفى واقع الأمر أن هذه الأسطورة لا نصيب لها من الصحة والواقع أنهم كانوا يلقون بقرطاس من ورق البردى يدعى فيه النيل للفيضان وكان الكهنة يعتقدون أن الكتابة على البردى لها قوة سحرية وهذه المعلومات أكدها سعيد محمد حسن الملط (2002) في كتابه " أعياد مصر بين الماضي والحاضر".
0 التعليقات :
إرسال تعليق