"أم حليم" إمرأة عجوز كبيرة السن كانت تسكن هي وإبنها الوحيد "حليم" في بيت متواضع في أحد الأحياء السكنية الشعبية خارج العاصمة بغداد... بعد أن فقدت زوجها الضرير وإبنتها "حليمة "نتيجة قصف الطائرات الحربية المعادية لذلك الحي السكني.. الذي أدى إلى مقتل العشرات من القتلى الأبرياء - رجالاً ونساءاً واطفالاً وشباباً - وكان قد أعلن الأعداء إعتذارهم من خلال أجهزة الإعلام لإشتباه حصل بين الحي السكني َومعسكر مجاور... واستمرت "أم حليم" بالذهاب من وإلى السوق بإعتبارها المعيلة لذويها وهي تحمل بشرف "طشت الخضار" لكي توفر لها و لولدها ماتحتاجه من دَخّل بسيط ليسد رمقهم من العيش الكريم... ومصاريف إكماله للدراسة السنوية
وهي تتحمل برد الشتاء وحرارة الصيف اللاهبة ومعاناة عمليات البيع والشراء إضافة إلى ما كانت تختزنه من آلام فقد وفراق زوجها وإبنتها الوحيدة...
ومع كل صلاة للفجر تملاؤها الحسرة وهي تنظر إلى ذلك الطشت
-وسيلة عيشها الوحيدة - مع إبتسامة أمل ، ونظرة تأمل في الأفق بإنتظار أن يكمل ولدها "حليم" دراسته ويتخرج من كلية الهندسة التي اوصلته إليها بعرق جبينها.. لكي ينتشلها من حالة البؤس ومرارة العيش التي إضطرتها للبقاء في ذلك البيت الطيني المنهار والذي صار ركاماً "لايصلح لسكن البشر...
ومرت الأيام بما فيها من أوجاع وقسوة ومرارة... فتخرج إبنها كثمرة لأتعابها وجهودها المضنية وتم تعينه مهندسا " في إحدى شركات البناء الجاهز وانتقل مع أمه إلى بيت جديد وبذلك شعرت" ام حليم" بإرتياح وخاصة بعد أن تزوج إبنها من زميلة له...
وهي تنظر بإحترام إلى ذلك" الطشت "المركون في إحدى زوايا غرفتها بما لها من ذكريات حلوة ومرة معه...
وكلما حاول حليم وزوجته رميه خارج البيت؛ كانت تمنعهم
وتقول لإبنها :ياولدي حليم لا تنسى أبداً تاريخ هذا الطشت وشرف المهنة التي عملت بها حتى أوصلتك إلى هذه المرحلة وهذه المكانة..
..ولكن منذ الأيام الأولى لزواج ولدها ومما كان يدور من أحاديث بينها وبين زوجة إبنها بدأت تشعر بالألم والحرقة بصدرها خشية أن تأخذ هذه المرأة ولدها وفلذة كبدها ألا أن حبها له جعلها تكتم مشاعرها ومخاوفها عنه وعن زوجته ، إلى أن جاء صباح اليوم المشؤوم ، إذ أخبرها "حليم" أنه سيسافر إلى خارج المدينة وربما يتأخر يوماً أو أكثر عن البيت و ودعها والدموع تكاد تخرج من حدقات عينيه والغصة تملأ فمه ويتعثر في كلامه وهو ينظر إلى طشت الخضار وكانه محرابه !! فازدادت حرقة أحشائها وتصورت أن حدثا " مؤلماً سوف يحدث وهي تبحر في ملامح وعيون ولدها مودعة إياه بأجمل الدعاء ليحفظه الله وليعود سالماً غانما" من مهمته...
والأدهى والأمَرّ من كل هذا ، وقبل صلاة الظهر من ذلك اليوم قالت لها زوجة إبنها :
عَمَه نحن محرجين منك.. هذا البيت ضَيق لايكفينا... وخاصة عندما يأتينا ضيوف... وكذلك ننتظر ولدنا في الطريق.. _
وبالرغم مما أحاطهما من حزن وألم شديد.. فإن "أم حليم" إبتسمت بفرح كبير عندما سمعت بأن حليم سيأتيه طفل في الأيام التالية فقالت :
ألف.. ألف.. مبارك لكم وسعادتي من سعادتكم... وهذا ما كنت اتمناه وهو رضاي عنكم...
ولكن لي طلب ورجاء !!
فقالت الزوجة :إيه عمه تفضلي... گولی
فقالت الام:
: خذو هذا الطشت معاكم.. و وضعوه في مكان مناسب كما هو حاله الآن... و أخبري حليم أن يهتم بيه وينظفه بين فترة وأخرى فلولاه ما كان ولم يكن "حليم"...
حليما "بهذه المكانة...
فقالت الزوجة :
لا... لا... اتركي الطشت لمعيشتك....!!!
فقالت الام :
لا يا أبنتي... الذي وضع الرزق بالطشت... رحمن رحيم... سوف يضعه في مكان آخر.
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق