تركتُ لكم الـ كورونــا.. بقلم د. أمل درويش


منذ بدأت أزمة الصين وانتشار ڤيروس كورونا وحالة الهلع التي اجتاحت العالم؛ زادت أسئلة أصدقائي واستفساراتهم ومن ثم إلحاحهم الشديد في أن أكتب مقالًا أو سلسلة مقالات أوضح فيها حقيقة هذا المرض من منطلق تخصصي في دراسة علم البكتريا والڤيروسات، خاصةً بعدما اختلطت الحقائق بالشائعات وكلٌّ أدلى بدلوه ما بين فتاوى مدّعي التدين، والمتأسلمين ووصفات المتشعوذين، ودعوات الجهلة والسفهاء..
وصارت تصلني الأكاذيب والخزعبلات من كل صوب وحدب..
سامحوني على هذا الوصف وهذه التعبيرات التي ما كنتُ لأستخدمها يومًا لولا بشاعة ما وصلنا إليه من مشهد.
حقيقةً كنتُ أنتظر لأتابع فصول هذه المسرحية الهزلية وأبطالها الفيسبوك والواتس وغيرهم من برامج التواصل الاجتماعي التي كانت الفارق الوحيد بين ما حدث قديمًا من حالات انتشار الأمراض والأوبئة وحالنا اليوم مع الضيف الجديد كورونا.
ولكن حين يصل الأمر إلى نبوءات وتكهنات وفبركة ڤيديوهات بأصوات غير حقيقية ونسبها لمشاهير أو زعماء مع معلومات خاطئة فهذا أمر غير مقبول..
حينها يجب أن أقطع صمتي وأخرج عليكم لأقول لكل هؤلاء السفهاء:
أرجوكم كفى!
لا تستخفوا بعقولنا أكثر من ذلك وكفوا عن هذا الهراء؛ فليس كل متلقٍّ بخبير أو عالم ليعرف المعلومات الصحيحة من الخاطئة، والكثير من أهلنا ومعارفنا لم ينالوا القسط الكافي من العلم ليتأكدوا مما يصلهم.

لم آت اليوم لألقي عليكم محاضرة علمية عن الڤيروس؛ فهذه المعلومات أصبحت متاحة الآن في كل وسائل الإعلام، ولكنني أكتب لأناشد الجميع بالتزام قواعد السلامة والحفاظ على أرواحكم.
وعدم إعادة إرسال أي رسائل توعية تصلكم أو ڤيديوهات أو نصائح إلا إذا كانت من مصدر طبي موثوق وعدم الانسياق وراء الشائعات وترويجها بإعادة إرسالها.

ڤيروس كورونا ما هو إلا نوع من أنواع الڤيروسات المؤثرة على الجهاز التنفسي وليس بجديد فهو مكتشف منذ ستينيات القرن الماضي، ولكن الڤيروسات عمومًا تتغير وتتحور بما يعرف بــ "الطفرات" وذلك يحدث كل فترة لتظهر في شكل جديد لا يؤثر فيه اللقاح الذي تم تصنيعه كمضاد للنوع القديم.
وليس موضوعنا الآن إن كانت هذه الطفرة طبيعية أم مصطنعة في المعامل..

ولا أخفي عليكم، لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي سينتشر فيها الڤيروس فڤيروسات الجهاز التنفسي عمومًا تنتشر في الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة.
ولهذا فمن الطبيعي أنه سيكون ضيفًا ثقيلًا في كل عام، وعلينا أن نتنبه لذلك فتصبح إجراءات الصحة الوقائية والنظافة العامة والشخصية أسلوب حياة في تعاملاتنا اليومية.
وألا نكون مجرد وعاء يستقبل كل ما يصله ويتقبله كما هو دون تفكير وسامحوني في التشبيه.

الدعاء والعودة إلى الله ليست حكرًا وقت الأزمات والشدائد ولكنها مطلوبة في كل وقت، وأيضًا ليست هي الحل الوحيد؛ فالحيطة والأخذ بالأسباب ضرورة وواجب على كل فرد..

لا ترددوا كل ما يُلقى على مسامعكم قبل أن تهضمه عقولكم وتفهمه وتدرك خباياه.

وإذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد دعا صحابته لالتزام بيوتهم والصلاة بها وقت القيظ والسيل وعدم الذهاب إلى المساجد؛ فما بالنا بهذا الوباء!

وهذا ما حدث من ابن عباس: أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال: أتعجبون من ذا؟ فقد فعل ذا من هو خير مني -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم-.

إذ كان منادي الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم ينادي في الليلةِ الباردةِ أو المطيرة : ( ألا صَلُّوا في الرِّحالِ ) .

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا"
متفقٌ عليهِ: البخاري ومسلم

وبعد كل ذلك يأتيك أحدهم ليعترض على إغلاق المساجد أو يدعي على الله عز وجل (وحاش لله) أن غلق المسجد الحرام والمسجد النبوي غضب من الله على البشر..

كل بقاع الأرض مساجد؛ فأقيموها حيث تواجدتم ولا تنساقوا خلف دعواتٍ مغرضة هدفها إحداث اللغط والبلبلة وإشاعة الفوضى بينكم.

ادعوا الله بقلوبكم وانصرفوا عن التظاهر والمراءاة، فربّ دعوة صادقة محلها القلب ولم ينطق بها لسان تشق طريقها للسماء أسرع من كل المجاهرات المغلفة بالمراءاة.

أسأل الله لي ولكم العافية والسلامة..

شاركه

عن الكاتبة الصحفية دعاء سنبل

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus