ما وراء البحر الهادئ

الكاتبة.. مني خليل

(هناك من يسرق الأحلام
وهناك من يغتصب منا الأيام)
  تغتصبنا الأيام منذ مهدنا لرحلة مجهولة ثم تغلق علينا صندوقا محكما وتلقينا بالبحر الذي يبدو من بعيد هادئا ولكنه في وسط سكناته ثائرا رافضا كل هذه الصناديق العجيبة.
 ومنذ أن فتحت صندوق روايتي وأنا أتصارع مع أمواجه صعودا وهبوطا وأبدو مثله من بعيد هادئا ساكنا.
 منذ مهدي متحملا كل الظروف لم أثر يوما واحدا راضيا بمضض. كنت غارقا بدوامة حياتي من عمل شاق غير مجزي. حزينا علي والدي الذي أنهكه المرض وأكل من جسده الكثير. كنت أنظم يومي بين عملي وجلسات والدي ليأخذ نصيبه من جرعات العلاج الاشعاعي.
 كان اليوم مختلفا رغم الاوجاع فقد حصلت علي اجازة اليوم من عملي الشاق لأتفرغ لوالدي ولأول مرة أنظر إلي تفاصيل وجهه بعد أن انغمرت في بحر الحياة الساكن ورأيت مالا أطيق مشاهدته من نحول وتجاعيد قد نهشت كل نضارة وجهه الذي كان يوما يشبه وجه رجل تركي مشرئب حمرة جذاب.
 بكيت بداخل صدري وأوقفت دموعي رغما عني وحملته بيد واحدة كأنه ريشة أخاف أن تصفعه الحياة، احتضنته وذهبنا إلي المستشفي القريبة من البيت وأزعجني كثيرا الازدحام والروتين وحاولت الحفاظ علي سكوني حتي جاء دور والدي واعتذر الطبيب واكتفى بالعدد المطلوب وأمرني أن آتي مع والدي غدا.. سمعت كلمات الطبيب وانا صامت وتذكرت كيف اليوم حصلت بصعوبة علي إجازة وحضر أمامي شريط حياتي كعفريت كان متخفيا، ومن الذي أحضر العفريت؟ انه هذا الطبيب.
 شعرت أن سكوني بدأ يتبدد وقد فتح لي العفريت صندوقي الراكد بداخل البحر الهادئ. رأيت كل شيء لونه أزرق لا أعرف لماذا؟!
وصرخت صرخة مدوية في وجه الطبيب وكأن كل العالم يصرخ معي. شعرت أن الطبيب من صراخي شعره بدأ يتطاير كأنه يواجه عاصفة، كان الطبيب مبهورا فاتحا فمه غير مصدق لأنه يعرفني، فأنا الهادئ دائما الذي يحضر مع والده بسكون.
 حاول أن يشرح لي أسباب رفضه وضغط اليوم. شعرت اني لا أتقبّل أي عذر تحملت كثيرا أعذار وأعباء هذا الزمان، تذكرت التعب والشقاء طيلة حياتي وقد تجمع كل سواد أيامي.
 لعنت الطبيب في وجهه، ورأيته يُمسك هاتفه ويطلب أمن المستشفى تبا له. لقد استدعى كل عفاريتي.
 هجمت عليه وجذبته من قميصه، وقُدّ قميصه من الأمام وهذا دليل شري عليه انهلت عليه ضربا وتحولت لبحر ثائر لأول مرة.
 وبعد أن انصرفت كل عفاريتي وعاد البحر هادئا من جديد.. وجدت نفسي داخل القسم والطبيب محررا لى محضر وأبي المسكين حُجز بالمستشفى اثر صدمة ما حدث لي.
 وكان الضابط يسألني : " بطاقتك؟ "
 نظرت إلي عينيه أردد : " بلا هوية " .
شاركه

عن Mizoohanaa

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus