يوسفيات واثق الجلبى .. نهر جارٍ لا ينضب من الابداع



الناقد/ عبد الهادي الزعر
قالت العرب : المروءة اولاً وطلاقة الوجه ثانياً ثم الفصاحة -اللغة العربية بوصفها خطابا ممكناً لتحقيق البلاغ ، شرط ان تكون واضحة بلا خطلٍ سالمة بلا زلل -وقد عد الباث مرسلاً ومستقبلاً وقارئ أثر في اّنٍ واحدٍ -والخطاب الادبي الرصين - شعرا ام سردا - حين يمتلئ بالدلالات ويعزز بالاستطرادات يمسى مفتوحاً على التأويل ، فلا غرابة على المتلقي الجاد امتحان النص تمحيصاً ودرساً
لاشباع نزوعه المعرفي ، فالنص لا اثر له الا بعد أن يقرأ والقراءة فعل لإنتاجٍ عملي جديد -حتى قيل -- كلما تعددت القراءات كبر النص وتمدد -
عرفت بعد إطلاع وتمعن ان مقتل الحلاج في القرن الثالث الهجري سببه القطيعة مع جمهور المتلقين والقطيعة أحدثت بوناً فسببت صداما ! لذا أعتبر مناوئاً للسلطة بينما تجربة الصوفي المتأخر محى الدين بن عربي اختلفت تماماً عمن سبقه لكونه اراد إيصال ما تصبو اليه نفسه مشاعاً ( للعامة ) فجمع بين متعة النص ومعاناة التجربة وحلاوتها وبثها للقاصي والداني ؛ فبنى جسوراً ومد مسالكاً للتواصل وهو راضٍ -محى الدين ابن عربي جمع المخفي والظاهر فى سلةٍ واحدةٍ وكان يردد دائماً " لا يمكن الوصول للباطن إلا من خلال الظاهر"
الزمن والدهر مترادفان على رأى ابن قتيبة والزمان اقتصر على الشهور والايام بينما الدهر استحوذ على السنين ، والعقل العربي استغفل الزمن المطلق الذى لا بداية له ولانهاية لكن العقل البياني اعتبره مقدساً حيث الخلق والنشوء والكمال والاسترجاع -
بعض علماء العربية اعتبر ( كان واخواتها ) حروفا تفعل فعل الافعال وسيبويه سماها الحروف الوجودية -
سَخر الشعراء تقنيةَ ( الصورة المتحركة ) فالأشياء تنطلق من نقطة ما وبعد زمن قد يطول أو يقصر تدور وتدور ثم تعود الى النقطة نفسها :نهار يكر على ليل وليل على نهار وفلك يدور وخلق تدور --- كما بدأكم تعودون.
الشعر ابداع
والابداع معنى مخبأ بين طيات السطور وهو نتاج المخيلة الخلاقة فمعظم القصائد من ايام المعلقات الى يومنا هذا تتوزع وفق مساريّن -- منهل النفس -- واشتهاء الجسد --فمنذ عهد افلاطون لازال التاريخ يردد مقولاته الاثيرية ( نحن نحيا بين عالمين متباينين عالم سفلى سيده الجسد الفاني وعالم علوي خالد تستقر به الارواح )
نستعرض بعض اليوسفيات :
(!)
تلك العيونُ النقية والضحكة البابليـة
وناعماتُ التثني فيا لها من عطية
تساقط الشِعرُ لثماً فوق الشفاهِ الندية
عشرات اليوسفيات اجاد بها واحسن شاعرنا واثق الجلبى لم يترك حيزاً حياتياً إلا وولج فيه بنجاح وبلا تكلف فهو شاعر مطبوع غزير العطاء بين غزل ونسيب وموشح تراه ناصع كنديف الثلج
هام بالقريض العربي عشقاً وشغف باللغة حباً هكذا اراه كلما اقرأ له.
( 2)
يا ظباء الورد قومي وانثري نور النجوم
واستعدي لحياة ملؤها شوقُ النديمِ
اين أنهار المنافي في تهاويم الغيومِ ؟
أين كأس الصبر أمست في مفازات الرجوم ؟
كيف للقلبٍ بنبض ماتَ في عصرٍ لئيمِ
لم نعشْ إلا ثوانٍ وسوادا من رسومِ
كمتابع لما ينشره فلقد تعدت يوسفياته ( المئة ) وهو مستمر لا يتوقف و لا ينضب كنهر جارٍ ، كتب في اجناس الشعر الثلاثة العمود والتفعيلة والنثر وهو للعمود ارحب -
ولكوني اقرأ الشعر باستمرار وأعرف شيئاً ضئيلاً من علم العروض اقولها على رؤوس الاشهاد : لم ارى زحافاً ولا إقواءً ولا علة في شعره ثم انه ركب معظم بحوره ووصل الى ساحل الأمان بثقةٍ -
خاض في الطويل والبسيط والكامل والرجز والمتقارب والوافر بنجاح اكيد ؛ وقد تيقنت انه لا يعبر من بحر لآخر وقد اخفى الخطأ الفادح بالروى -كما يفعل قليلو الخبرة والطارئون على هذا الفن الرفيع فالشعر حسب معرفتي الشخصية نظم موسيقى وإيقاع وهو نقرات تتخللها ازمنة محدودة المقادير إضافة للمعنى فلو اخذنا تفعيلة الوافر " مفاعلتن مفاعلتن فعولن "
ن -ن ن - ن -ن ن - ن --
صحيح ان للوافر انواعا ثلاثة " تام ومجزوء وصحيح الضرب " وربما يدخل الهزج ضيفاً كذلك
وعليه وجب الحذر الشديد فنجد تفعيلة للقبانى على سبيل المثال يقول فيها :
( صباح الخير ياحلوة \ صباح الخير ياقديستي الحلوة )
فقصيدة العمود بحرا زاخرا مالم يكن الشاعر فيه مستعدا للعوم يغرق من الخطوة الاولى !
فالشاعر الحقيقي ضليع بعلم الاصوات ( بالمران ) حرف متحرك يليه ساكن وساكن ثم متحرك يليه ساكنان هكذا بنى الفراهيدي بحر الوافر بمعنى اّخر الشطر الواحد هو الوحدة الموسيقية للقصيدة فالصدر يحوى حروفا ساكنة ومتحركة لو فرضنا عددها اثنان وثلاثون حرفاً يقابلها العجز كذلك لا زيادة ولا نقصان فأن كان خلافاً للقاعدة امسى خطئاً فاحشاً -كان بودى استعراض بعض المقتطفات الشعرية للجلبى حفظتها في ذاكرة الماسنجر اعجبت بها كثيرا ولكنى لا أحب الاطالة وسوف اتحدث عنها في لقاء لاحق تمنياتي للشاعر الكبير والسارد المكين الاستاذ واثق الجلبى كل النجاح والتوفيق.
شاركه

عن Mizoohanaa

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus