دقة قلب قصة قصيرة بقلم شريف فتحي




 
     ذهبتْ إلى الإسكندرية ؛ لتقضى بعضَ الوقتِ ترفيهاً عن نفسها بعد أن جمعتْ بعضَ الأبحاثِ والمراجعَ الهامة ؛ لتستعينَ بها فى إكمال الدكتوراة .. تلك الرسالةَ التى جعلتها تعيشُ فى غمارِ العلمِ وأبحاثهِ سنواتٍ طويلةٍ .. لم تعرفْ يوماً من الأيامِ سوى حبًّ العلمِ والوصولَ إلى درجةٍ مرموقةٍ داخلَ كليةِ الآدابِ .. أحبتْ الحياةَ الهادئةَ المطمئنةَ داخل َ الكتب ِ.. لم تفكرْ يوماً فى حبِّ رجلٍ .. نَسِيَتْ بيتَ الزوجيةِ الذى تتمناه أى فتاةٍ فى مُقتبلِ عمرِها .. وتحركتْ على شاطئِ البحرِ أمام ذلك الجوِّ الساحرِ الفاتنِ .. الذى ينبعثُ من خلفِ الأفقِ بشعاعِ شمسٍ ذهبيةٍ لامعةٍ .. تطل من أطرافِ السماءِ مودعةً لشطِّ الاسكندريةِ .. وتلكَ الأمواجِ المتزاحمةِ التى تتسابقُ فى تقبيلِ الصخورِ العتيقةِ بشوقٍ عارمٍ وحبٍّ قديمٍ من آلاف السنين .. نظرتْ بعينيها لخيال يقترب منها شيئاً فشيئاً، ولكن خصلات شعرها الناعمةِ المتطايرةِ أخذتْ نظرتَها وتناستْ من يقفُ بجوارها .. يتطلع لذلك الخد الذى أخذ من لون الغروب سحراً ومن شذا البحر عطراً .. لم ترد أن تلتفت مع أنها سمعت كلمة غريبة لم يسبقها شىء وضعت نفسها فى غمارها،واشتاقت لخفقانها دقة دقة تهدهد من خلف نهديها .. فضمت أوراقها على هذين العابدين لتحوطهما بذراعيها بخشوع وتبتل،تتوارى بقلبها خلف محراب العلم الذى أخذ منها ما أخذ..ومن وراء تلك الأوراق نظرت إليه .. لم يتكلم ولم تتكلم .. تطلع كل منهما إلى الآخر بنظرات وعبارات صامتة .. لحظة تجر أخرى .. والشمس البعيدة تغرق فى البحر .. لتسلم الوجود لليل أوشك أن تتلألأ فيه النجوم .. وتتحرك بين أوصالة الغيوم ..  وصوت الموج يصرخ من صمت صخرة فى لحن وتري حزين أخفته أيام وسنون وبنظرة حانية مالت بخدها من خاف شعرها على الخيال الذي استقر بجانبها تبحث عن صاحبه فإذ بالجدران تضيق ، والضوء الخافت يجرى للبعيد ، يجفف الدموع التى كثرت وتمسك بيديه ، فتنتفض مشاعرها فجأة ؛ لتأخذ أشكالا وأحجاما غريبة أشبه بقطعة صلصال مرن فى يد مثّال مجنون يشكل فيها تماثيل غاية فى الفتنة والسحر والجمال ، تلتفت مرة بعد أخرى تحرك يدها على شعرها الذى تدلى أمام عينيها فى تجوال رقيق لتفتح جفنيها ، فإذ بالعينين الساحرتين تعودان من دنيا الأحلام الواسعة لتجد نفسها فى أحضان سريرها بغلالة نوم شفافة على دقة قلب .
بقلم شريف فتحي
شاركه

عن احمدعبدالكريم

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus