وسط عتمة الليل من إحدى الليالي الشتوية الباردة ، وفي ساعة متأخرة من بعد منتصف الليل ، كنا نسمع دوي انفجارات متقطعة امتزجت مع أصوات الرعد و شدة وميض البرق المرعب .
ومع هذه الأجواء المشوبة بالحذر ، كان تراشق زخات المطر المصحوبة بالعواصف التي جرفت معها بقايا اللوازم البسيطة التي يحتاجها المقاتل في الجبهة وأثناء التوجه إلى المعركة ، ولكثرة وتنوع هذه اللوزام والحاجات التي نحتاجها لم نستطع إدخال بعض منها داخل البيت الذي نسكنه مؤقتا وأثناء انتظار الأوامر التي تصلنا من القيادات العسكرية المجتمعة ، ومع هذه الأجواء المفعمة بالرهبة ، فقد كانت الكهرباء قد أخذت حصتها وانقطعت و انعدمت الرؤيا .. وإذا بصوت الشاب حسن وكان يكنى ب حسوني لصغر سنه الذي لم يتجاوز عامه الثاني عشر أو أكثر بقليل..
- عمي اريد ان اريق المائية ، وانت تعلم ان دورة المياه خارج البيت ..
- نعم ، هي خارج ولكن هناك واحدة أخرى موجودة داخل البيت ..
علمت انه خائف من هذه الأجواء والأصوات ويريد أن يكون بقربي .
ناديته ..
- تعال هنا
واصطحب وسادتك والغطاء ..
كان مسرورا لذلك وهرع مسرعا من الغرفة التي تبعد أمتار عن مكان تواجدي ..
وفي صباح اليوم الثاني وبعد أن هجعنا للنوم قليلا بعد صلاة الفجر ، نهضت مرعوبا من حلم مزعج !! ونظرت إلى حسوني فلم أجده أصابني الذهول والخوف عليه عندما وجدت فراشه خاليا ..
ناديته فلم يجب خرجت مسرعا وإذا بحسوني يركب دراجة هوائية صغيرة ويلف حول البيت وبحركات بهلوانية صبيانية .. سألته:
- حسوني من أين لك هذه الدراجة الهوائية ونحن الآن نستعد لمواجهة العدو ..
- وجدتها في البيت المجاور ، سوف ألعب بها قليلا ثم أعيدها إلى مكانها ..
- ابتسمت قليلا
وتحدثت مع نفسي ما هذه ( الورطة و المسؤولية ) شاب بعمر الزهور وهو متطوع للدفاع عن حرمات البلد ' وياللعجب ، سبحان الله . هذا الحديث كنت أتحدث مع نفسي .. ناديته:
- حسوني ، تعال بقربي أريدك حالا
فعلا جاء مسرعا ووقف أمامي بدراجته ، واضعا قدما على الأرض والأخرى مرفوعة قريبة من سرج الدراجة . . كان سائقا ماهرا ..
- حسون ، كيف تطوعت للقتال .
- قال ..
والدي كبير السن و أمي ايضا والله رزقهم بحسوني في نهاية المطاف فكنت الولد الوحيد لأب عمره الآن في الخامسة والستين تقريبا و أم عمرها إحدى أو اثنان و ستون وقد توقف الإنجاب ، بمعنى أنا أول وآخر العنقود ..
علما أن الإنجاب كان متوقفا ولا نعرف السبب
- يا عجبا ، وكيف ذهبوا بك إلى هنا
هل تعلم أن هنا شهادة وجراح ؟؟
- والدي و والدتي قالا لي ، إن الله رزقنا بك من رزقه ولكي نسترزق من خلالك الجنة وأنت من طيورها إن شاء الله ..
- سبحان الله .
و إذا بنداء ، عليكم بالتوجه للقتال واتخذوا مواقعكم ، وأثناء ذلك كان دوي انفجارات وأصوات رصاص البنادق ..
هرع الجميع للقتال أخذ كل مقاتل لامة حربة واتجه إلى المكان المخصص له ، حسب التوجيهات والأوامر العسكرية .
استمرت وبشدة أصوات البنادق والانفجارات وكثافة النيران العالية وعند تواجدي مع إخوتي المقاتلين في المكان المقرر لنا وأثناء الاشتباك ، تذكرت حسوني ، وابتسمت ، قلت من المؤكد أنه اختفى وراء احد الصخور أو خلف أحد البيوت أو لاذ في مكان آمن يحميه من رصاص البنادق والهاونات .
وإذ أسمع صوت أحد المقاتلين يتعالى ..
الله الله الله أكبر
الرحمة لشهداء العراق
أصابتني الرهبة ، هرعت متوجها لمعرفة من ذاك الشهيد البطل ولم يأتني في الخيال أن أول شهداء المعركة كان ولدي حسوني فعلا أحببته مثل ابني ..
وخاصة عندما شاهدته محمولا على أكتاف مقاتلينا الأبطال وهو مضرجا بدمائه ..
أسرعت إليهم والدموع تجري كالأنهار لكي أتأكد من استشهاده ، تارة أقول أتمنى ليس حسوني وتارة أشكر الله على هذه النعمة وهي نعمة الشهادة ..
نظرت إليه و الدماء قد غطت معالم وجه ، لم أميز ذاك الشهيد البطل ..
وإذ بمدالية مفتاح دراجة هوائية وهي تتدلى من جيب بنطلون حسوني البطل الشهيد ..
... أغلب القصة حقيقية و صورة من مجلد الاحداث البطولية التي عشتها أثناء محاربة الإرهاب
0 التعليقات :
إرسال تعليق