ماما يا حُلوَتي
ماما
في ذلكَ اليومِ الأليمِ
لمَ نِمتِ؟
يطلبونَ مِنِّي
أنْ أقولَ
المرحومةَ أُمِّي!
وهلْ صدَّقتِ الرُّوحُ
أنَّكِ عنَّا
رحلْتِ؟
ماما
إنْ لم ترَكِ العينُ
فالأُذُنُ تسمَعُ صوتَكِ
والقلبُ يُبصِرُ حُسنَكِ
ماما..
سأظلُّ أقولُها
ماما يا حُلوتي
أنتِ أبدًا ما مُتِّ!
ميَّادة مهنَّا سليمان
في مثلِ هذا اليومِ من عام ٢٠١٧ وفي مثلِ هذه السّاعةِ
سمعتُ الخبرَ الّذي لم يتقبّلهُ عقلي، ولا قلبي.
كانَ زوجي لديهِ عملٌ، ويهمّ بالخروجِ، لكنّني شعرتُ بشيءٍ غريبٍ يجعلني أستبقيهِ، ظننتهُ المللَ، فأجّلَ ذهابهُ بعضَ الوقتِ، وبعدَ قرابةِ نصفِ ساعةٍ جاءهُ اتّصالٌ، بدا لي أنّ مشكلةً ما يخبرهُ إيّاها المتّحدّثُ، وكانَ رجلًا، لكنّي رغمَ قربي منهُ لم أستطعْ فهمَ شيءٍ.
كان زوجي يُجيبُ باقتضابٍ شديدٍ، وكأنّهُ غيرُ مصدّقٍ كيفَ يتخلّصُ من المتّصلِ.
حينَ أنهى المكالمةَ، لم يقُل شيئًا، ففي العادةِ يُخبرني من اتّصلَ، وماذا يريدُ؟
كانَ صمتُهُ مريبًا، لكن لم يخطرْ في بالي أيّ سوءٍ قد حدثَ لأهلي، سألتُه:
- هل هو صديقُك فلانٌ؟
- لا
- هل هو جنديٌّ في فوجِكم؟
- نعم، نعم!
- ما الأمرُ؟
- بصراحةٍ خبرٌ مزعجٌ، مضطرٌّ للسّفرِ، لأنَّ أمّكِ مريضةٌ!
- مريضةٌ! أسافرُ أنا، ولماذا أنتَ؟
- من أجلِ امتحانِ الشّهادةِ الإعداديّةِ لابنتكِ.
حين أصرّيتُ أن أعرفَ ما مرضُها، وبدأتُ أنهمرُ بالاسئلةِ، بدا محاصرًا، وهو لا يجيدُ اللفَّ، ولا الدّورانَ، فلم أشعرْ بهِ إلّا قدْ جذبَني نحوهُ، مقبّلًا جبيني بحنانٍ، وهو يقول:
-أمّكِ أعطتكِ عمرَها!
ظنّ أنّ قولَهُ السّابقَ (أمّكِ مريضةٌ) قد هيّأَني، لكنّي في الحقيقةِ لم يخطرْ في بالي الوفاةُ، فنحنُ البشرُ لسذاجتِنا نتوقّعُ الموتَ للمُسنِّ، وللمريضِ جدًّا.
عمرُ أمّي قرابةَ الخمسين، أمورُها جيّدةٌ، كيفَ لي أن أتوقّعَ وفاتَها؟
شعرتُ بسكّينٍ تُغرزُ في قلبي، نسيتُ أمرَ الاتّصالِ، فقلتُ بعفويّةٍ، واستنكارٍ:
- أنتَ تكذبُ، مَن أخبركَ؟
- أخوكِ منِ اتّصلَ منذُ قليلٍ!
في الطّائرة، كنتُ أسترجع ذكرياتِ آخرِ لقاءٍ لنا معَها في حمصَ، كانَ في شهرِ أيلولَ، يومَها بكتْ حينَ ودّعناها، ورجتْ زوجي أن يأخُذنا إلى صافيتا، ويعيدَنا لترانا، وعدناها بالعودةِ، لكنّ الإجازةَ انتهتْ موزّعةً على الأقاربِ، والأصدقاءِ الكُثرِ، يا اللهُ ليسَ من عادتِها أن تبكيَ عندَ وداعِنا، كانت تتأثّرُ، وتبدو قويّةً، كي لا تُبكيني، ما بها أمّي، أكانتْ تشعرُ أنّهُ لقاؤنا الأخيرُ؟
كانتِ الذّكرياتُ صورًا موجعةً، وأنا في غمرةِ حزني، راودَني سؤالٌ إلى الآنَ يُحيّرُني، كنتُ كطفلةٍ صغيرةٍ أفكّرُ ببراءةٍ:
كلّما ماتَ أحدٌ، قالوا: صارتْ روحُهُ في السَّماءِ!
أنا الآنَ بينَ الغيومِ؛ هل تتمنّى أمّي أنْ يطولَ وقتُ سفري في الطّائرةِ، هل تُعانقُني في هذه اللحظاتِ دونَ أن أدريَ؟ ثُمَّ إنَّ أخوَيَّ على الأرضِ الآنَ مُسافرانِ برًّا لوداعِها، هل أنا الآنَ محظوظةٌ، وقريبةٌ أكثرَ منهُما إلى روحِ أمّي؟
لن يعرفَ أحدٌ الجوابَ، سنلتقي يومًا، وتُجيبُني أمّي!
0 التعليقات :
إرسال تعليق