للصمت أحيانا ضجيج ... بقلم : دكتور عصام المصري .



للصمت أحيانا ضجيج ...

بقلم : دكتور عصام المصري .

في أوقات كثيرة قد لا يتمكن الإنسان من الحديث والتعبير , فيكون الصمت أصدق إحساس وأعظم تعبير , الصمت مؤلم ولكن في أحيان كثيرة يكون البوح أشد ألما وضجيج , حينما يكون الزمان ليس زماننا , والعمر ليس كما كان فيما مضي , وصفات الطيبين المخلصين لم تعد بيننا, حين نحتار بين القلب والعقل , ونسبح في سماء الروح , وأرض الواقع , حين نتحدث فلا تصل مرارة الشكوي إلي آذان ونبض الأقربين , فلا أحد يعرف أنك متعب , لأن ظاهرك مُنظم , وتفاصيل حياتك تبدوا هادئة , وابتسامتك لا تفارقك , فقد يراك الناس سعيداً , وأنت أكثر حزنا منهم , وقد يراك الناس خالي البال وطواحين همومك ومشكلاتك وأزماتك تعتصر قلبك بلا رحمة …

 فكر معي في حياتك قليلاً ستجد أن الناس ينظرون إلي بحرك الهائج ويشاهدونك وأنت في مركب صغير بال , وسط بحر عاصف غاضب من المشكلات , وتسأل في دهشة عيون هؤلاء أليس منكم رجل رشيد يأخذ بيدي إلي بر الأمان والسكينة والطمأنينة ؟!! وتنادي يا سادة ماذا أفعل بالله عليكم أفلا تنظرون ؟!! سيأتيك ردهم يا رجل اهدأ فكلنا في بحر حيرة الأيام غارقون . فمن منا لا يعيش تقلبات الأيام ومرارة الفقد والحنين ,,, فقر ثم ثراء , أو سعادة ثم شقاء , أو مرض ثم شفاء , أو يأس ثم رجاء , ولا شك أن في موقف كهذا نكتفي بالصمت , ونحاول ما استطعنا أن نخفي الضجيج .

أحيانا نرتدي قناع السعادة لنصعد مسرح الحياة ونتظاهر بالسرور غير أن عيوننا تفضحنا حين تكسوها الحيرة , وتعب الأيام , وشقاء السنين , فننسي ولو للحظة أن نتقن أدوارنا جيداً , فيكتشفنا الجمهور متسائلين عن سر الابتسامة المزيفة ؟ ولمعة العين الشاردة ؟ وعندما ينتهي دورنا على خشبة مسرح الحياة , ويصفق لنا الجمهور نختلي بأنفسنا فنكون أصدق وأعمق , نخلع قناع البسمة والتظاهر بالسعادة لننزوي بأنفسنا مرددين : كفانا تمثيلا فقد غادر الجمهور … فنتحدث مع أنفسنا بصدق وحينها يكون للصمت ضجيج ..

اعتادت الناس في كل اللقاءات أن تسألني كيف حالك ؟ وتكون الإجابة دائما أنا بخير … فإما أنني بخير لأني أتقنت دور المهرج صاحب البسمة , أو أنني استطعت أن أخفي خلف وجهي الحقيقي دموع اليأس والألم , أو أن سكينة الرضا بأمر الله صارت دافعاً وحافزاً لأن أقول الحمد لله بخير ,,, غير أنني أجزم أن إجابتي داخل صدري الثائر كالبركان تكون بلا صوت , فيا سادة أرجوكم رفقاً , فالصمت مؤلم جداً , والبوح أحياناً أشد ألماً وضجيج .

شاركه

عن احمدعبدالكريم

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus