احترس ارجوك بقلم الكاتبة الروائية / غادة العليمى





لم يعد أحد يخاف القلم منذ ان إخترعوا الكاميرا
 كان القلم سلاح وكانت الكلمة طلقة رصاص حين كانت الناس تقرأ.. لتتعلم وتتبين لتفهم ، حين كان القرار بناء على منطق واستنباط 
حين كان حكم الرأى العام بعد الإطلاع والمداولة
لذلك كانوا يسمون الصحافة السلطة الرابعه ، ليست سلطة السطوة  ولكن سلطة العقل
وكانت الكاميرا لتدعم الكلمة.. لا لتحل محلها وتزيفها وتقتلها 
انتهى كل ذلك حين اصبح فى إيد كل مواطن كاميرا وفى يد كل صاحب مصلحة عدسة 
فجاءة تحول الجميع الى حكام وقضاه وتفجرت فى النفوس شغف الظهور وشهوة التوجيه
واصبح كل من هب ودب رجل من رجال السلطة الرابعة يدلى بدلوه فى كل الأمور ويخوض كل المجالات ويقدم الحلول لكل المشاكل ما يفقهه وما يجهله
فى حادثة مرور عادية تجد كثير المارة يخرجون هواتفهم ليلتقطوا صور الضحايا ويقوموا بعمل مراسلى الصحافة ومذيعوا الاخبار مبادرين بوضع انصاف المعلومات والتخمينات لديهم كسبق خبرى بتناقله عنه الاخرين
واذا حدثت مشاجرة عابرة فى طريق فهى فرصة جيدة للتصوير ولسماع هرتلات الغضب التى يخرج فيها المرء عن ادبه وفضح الطرفين مع وضع التاتش اللازم من وجه نظر المصور الذى رغما عنه ينحاز لطرف دون اخر وبإنحيازة سيخرج الطرف الذى ينحاز اليه برئ مظلوم حتى ولو كان من مملكة الشياطين
وربما فى اى مصلحة اشغال اذا صادفت موظف مقصر فى عمله ستجد عقابه  بدلاً من الشكوى لرئيسه فى تصويره وفضح تقصيره على الملأ بعد استفزازه لاخراج اسوأ ما لديه واحسن ما يجعل التصوير مثير والقضية ثرية
ودوما الكاميرا لا تكذب حتى ولو كانت لاتنصف تنقل الحدث حتى ولو كانت تجتزأ واحد فى المائة من الاحداث
حيث لا احد يستطيع الا يصدق عينيه حتى ولو كان يفتحهما على بئر كذب
مائة الف سلوك صحيح لا يلفت انتباه احد ولكن سلوك واحد مشوه بفضل نقله عبر كاميرا لمجهول كفيله بتشويه الجميع
واثارة رأى عام على منظومة كاملة
مليون فعل يومى مجتمعى حميد لا ينقله  أحد ولكن ستجد مليون ناقل لفعل واحد مشوه.. فعل واحد كفيل بتشويه صورة مجتمعنا كله اذا عبر حدود المكان بواسطة كاميرا حقود كاره او مجنون شهرة غبى او جاهل لا يدرك ما يفعل
لتجد نفسك لست مواطن حر فى مجتمع يحترم إنسانيتك كمواطن يغضب ويفرح ويعبر ويخطئ ويخرج عن شعوره احيانا ويعود اليه
ولكنك أسير  واقع تحت رحمة مهاويس سلطة غير شرعية تستطيع ان تجعل منك فى لحظات قصة وقضية
انت يا عزيزى بفضل الكاميرا والاتصال الالكترونى المتاح لدى الجميع  اصبحت صيدة لمجموعة هواه صيد اذا اردت وصفهم وصف دقيقا تستطيع ان تعتبرهم مرضى بمتلازمة الصيد فى الماء العكر.. فإحترس ارجوك

شاركه

عن احمدعبدالكريم

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus