الرنوك المملوكية (The Mamluk rank) كتب د/أحــــمــــد مـــــقــــــــــــلــد



.
أبدع ما خلفه لنا العصر المملوكي هو فن الرنوك وقد ارتبط بالمماليك فصار يطلق عليه الرنوك المملوكية وذلك لكونها شارات أو علامات خاصة بالسلاطين والأمراء وحدهم دون عامة الشعب. وكانوا يتخذونها لأنفسهم منفردين بها وذلك لاعتماد تقاليد الأمراء المماليك ومراسيمهم في هذا العصر على اتخاذ الرنوك للدلالة على شخصياتهم وتمييز ممتلكاتهم.
ونظراً لكون الرنوك المملوكية أحد مظاهر الفنون في العصر المملوكي والتي لم تحظى بحظ وافر من الدراسة والتحليل التي تليق بها في ظل تميز هذا العصر المملوكي بالرقى والرفاهية والثراء والذي انعكس أثره على حياة السلاطين والأمراء الذين تعددت وظائفهم.
لذا فمن الطبيعي ونحن نتحدث عن الرنوك المملوكية أن نتفهم الحقائق التي لا غنى عنها في فهم روح الرنك المملوكي حيث أن فترة حكم المماليك لمصر قد انقسمت إلى: " مماليك (بحرية) استمرت 650ه/1252م إلى 784ه/1382م وقد أطلقت عليهم هذه التسمية لان ثكناتهم كانت في جزيرة الروضة التي يحيط بها بحر النيل. ثم تلتها المماليك (البرجية أو الشركسية) وهم سكان أبراج القلعة والتي انتهت بالفتح العثماني لمصر على يد السلطان سليم الأول في 923ه/1517م". وقد ذكر ذلك ناصر الأنصاري (1990 م) في كتابه بعنوان: تاريخ أنظمة الشرطة في مصر (صفحة 72).
 وقد عُرفت الرنوك في الحضارات القديمة وشاع انتشارها في العصر المملوكي ولكنها كانت تعرف بمسميات متغايرة عن لفظة الرنوك فكانت تعرف بانها (شارة أو شعار أو رمز أو في هيئة خراطيش الملوك مثل التي استخدمها الفراعنة أو في هيئة رموز حيوانية مرتبطة بالعقيدة) فنجد المصريين القدماء كانوا يعتبرون التمساح معطى الحياة للنباتات على الشاطئ وعُبد في بلدة الفيوم ثم كوم أمبو، وربط بينه وبين النيل وكانت احتفالاته تقام مع ظهور مياه الفيضان. واعتبر في الدلتا ابن الآلهة نيت حيث صور يرضع من صدرها، ربط مع الإله رع (سبوك - رع). وقد ذكر ذلك خزعل الماجدي (1999 م) في كتابه بعنوان: الدين المصري.
وفى بلاد ما بين النهرين كانت الشجرة المقدسة رمزا للحياة عندهم، وفى الحضارة الساسانية كانت النار المقدسة رمزاً لملوكهم. أما في الحضارة الإغريقية فقد اتخذت كل مقاطعة شارة مميزة لها جعلتها على عملتها ، وفى الحضارة الرومانية كان النسر من أشهر شاراتهم التي نقشت على العملات هذا بالإضافة إلى صور الملوك مضافا إليها بعض الحروف الديموطيقية أو اللاتينية التي تشير إلى اسم الدولة أو اسم الملك . وكانت الرنوك معروفة في الفترة المسيحية وكان الصليب من أكثر الرموز استعمالا منذ القرن الثالث الميلادي حيث أصبح بمثابة الرمز الكامل للمسيح أو بمثابة علامة للدين المسيحي". وقد ذكر ذلك عبد الرحيم إبراهيم احمد (1382م) في رسالة الدكتوراة بعنوان: فن الرنوك في عصر المماليك في الفترة من (1250 - 1517 م) بمصر.
وفى بداية العصر الإسلامي استخدمت الرنوك على البيارق والرايات فكان شعار العباسيين السواد ثم عدله المأمون وجعل شعاره ورايته الخضرة. وكان شعار الفاطميين علمين على كل منهما رسم أسد بالأحمر والأصفر ورمحين برأسيهما هلالان لها لون اصفر ذهبي. أما خلال العصر الأيوبي فقد عرف نوعان من الرنوك :
•  رنوك تعبر عن القوة والشجاعة وهي خاصة بالسلاطين مثل رنك النسر الذي وجد ممثلا على قلعة صلاح الدين الأيوبي.
•  رنوك ترمز لوظائف الأمراء فنجد أن أيبك التركماني وقد اتخذ المنضدة شعارا له لما ترمز إليه من وظيفة الجاشنكير "ذواق الطعام للملك" وهي الوظيفة التي كان يشغلها الملك الصالح نجم الدين أيوب.
أما العصر المملوكي فقد بلغت أهمية الرنوك حداً كبيراً وذلك لما امتاز به هذا العصر من رفاهية وثراء وضح أثرهما على حياة الحكام وكان الناس عندما يعجبون بأحد السلاطين أو الأمراء ممن عرف عنهم الأعمال الحسنة ينقشون رنكه على معاصمهم وأدواتهم. ونظراً لتعدد أشكال الرنوك وارتباط كل رنك بوظيفة معينة وصفة معينة تميز صاحبها، فمن المرجح أن هيئة الرنك كانت ذات صلة بالوظيفة التي يشغلها الشخص حين تأميره ومنحه الرنك.

شاركه

عن الكاتبة الصحفية دعاء سنبل

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus