بقلم الدكتور/أحمد مقلد
دكتوراة في فلسفة التربية تخصص التربية الفنية
من منا لم يعاني في حياته من نقاشات وحوارات لا تؤتي بثمارها ونعاني من نتائجها فالجميع يدلي بدلوه في كل الموضوعات وفي شتي المجالات فالكثير منا يعتقد أنهم الوحيدون أصحاب الرأي والمعرفة والمطلعون على بواطن المعرفة ولا مجال للحوار والنقاش معهم. فأنت يا من تتناقش ليس لديك أي مقدار من الرؤية مع من تحاوره لكونه قد جمع فنون المعرفة الشاملة والعلم اليقيني الذي لا يساوره شك ولا مجال للنقاش.
مع العلم أن الله قد خلقنا لنتعايش ونتناقش حتى نصل لحلول تعيننا على التعايش السلمي، وذلك من خلال خلق قنوات إتصال فعال يحقق الرسالة المطلوبة والهدف المنشود من تواصلنا معاً وهو أن نحيا سعداء، وقد جهزنا الله وأهلنا بالمعدات اللازمة لهذا الشأن فخلقنا بفم واحد (لنتحاور) وحفظ هذا اللسان داخل سجن حاد وصلب بين فكين للحماية من شروره لكون الكلمة سلاح يقتل بكلمة ويحسن بأخرى لذا لابد أن نراجع أنفسنا فيما ننطق حتى لا نؤذي أحد بالقول. حيث أن كلمة تدعوا للتفاؤل والأمل وتدعوا لتقرب وجهات النظر سوف تقربنا معاً لنكون مجتمع متكامل. وحين أراد الله أن نتواصل خلق لنا (جهاز استقبال) مكون من جهازي استقبال على جانبي الوجه للإحاطة بما يقال وله من القدرة الفائقة والقوة المضاعفة عن جهاز الارسال الممثل في اللسان والمحفوظ داخل سجن حتى لا ينطلق بلا رادع. فقد خلق الله الأذن لبيان خداع الكلمات ومعرفة الرسائل التي تصلنا حتى نتمكن من الرد عليها ولمعاونة هذا العضو المهم والجهاز الحساس وهو حاسة السمع فقد جهزنا الله بجهاز مسح ضوئي (سكانر) بشرى وكاميرا فوتوغرافية ممثلة في نعمة النظر. وتلك الاجهزة تعمل على فحص صدق الكلمات وتعابير الوجه لبيان صدقها من عدمه. لذا أوصيك يا من ترغب في المناقشة والحوار أن تعلم بعض الحقائق التي تجمعنا ولا تفرقنا وتؤسس لحوار إيجابي بناء فيما يلي: -
• نحن ننتقد الفكرة وليس الأشخاص.
• نحن يجمعنا الود قبل الحوار وبعده لكوننا لم نكن نتعرك فالكل يعرض وجهة نظره.
• لا تكن غير نفسك ولا تدافع عن وجهات نظر لأشخاص فربما تبدلت مواقفهم.
• الحياة قصيرة فلا تلعنها ولا تفقدها بدوام شعورك بالقهر والمظلومية فإنك من صنع الله.
• الله خلقنا لحكمة فلماذا لا نحققها (أن نكون شعوبا وقبائل لنتعرف).
• جميعنا بشر يصيب ويخطئ وليس فينا ولا بيننا اليوم رسول منزه فأخر الرسل والنبين هو (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم).
• لا توجد حقيقة مطلقة إلا الله ولكن هناك وجهات نظر مختلفة ويمكن أن اتقبل وجهة نظر الآخر مع توضيحي لوجهة نظري بأسلوب راقي وبلا تصادم أو انفعال وبأدلة منطقية.
• ما يحركنا نحن البشر هو العاطفة لذا لابد أن نتحاور بمنطق العقل ولا تجذبنا العاطفة والهوى بعيداً عن الطريق الصحيح.
• البشر جميعهم له ظروف تخصه ودائرة اهتمامات خاصة لذا يجب مراعاة مشاعر الناس عند الحوار.
• لا تناقش إلا صديق ولا تعاتب إلا من لك فيه رجاء ولا تطل العتاب فقد روي في الأثر أن صديقا حدث له ما يغضبه من ابن السماك فقال له: الميعاد بيني وبينك غدًا نتعاتب، فرد عليه ابن السماك رحمه الله تعالى: بل بيني وبينك غدًا نتغافر. أي أن المغفرة والعفو هي ثمرة الصداقة.
وفي نهاية مقالي أرجوا ألا أكون قد أزعجت أحدا بكلامي ولكني أدعوا نفسي وإياكم لنكون بشر محب للآخر ونتعايش في إطار تعاملات صحية وفق ما ترتضيه الفطرة السليمة من حب للبشر في كل مكان وسلامة قلب وعدم البغض والحقد والحسد للآخرين ودائما نحمل العذر للآخرين فقد قيل في معنى العذر (ما أخرجه الإمام البيهقي بسنده في شُعَب الإيمان إلى جعفر بن محمد قال: إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته، وإلا، قل: لعل له عذرًا لا أعرفه (.
ولنعلم جيدا اننا لم نخلق لنتظالم ولا لنتقاتل فسمو سبب خلقنا يدعونا لمراجعة مواقفنا لنكون عباداً ربانين نحب الله فنطيعه ونعشق أوامره فننفذها فتسعد حياتنا وتصفوا روحنا وتسموا مشاعرنا ويعتدل حال مجتمعنا لكوننا نسير وفق المخطط الإلهي ( كتالوج إدارة حياتنا) وهو (وكونوا عباد الله) فالعبودية لله والحرية اختيار فلا تحمل نفسك ما لا تطيق فأنت تعيش لصلاح نفسك وإذا صلحت سينصلح حال من حولك وإذا صلح حال من حولك ومن تعول صلح مجتمعنا وإذا انصلح حال مجتمعنا إنصلح حال أمتنا وإذا إنصلح حال الأمة إنصلح حال الكون بأسره.
لذا اعدكم واعاهد نفسي أن التزم بما قلت لأنال شرف التجربة وصدق المقصد ويكون لي شرف المبادرة أن أدع الجدال فقد ورد في كتاب رياض الصالحين الأحاديث التالية (عن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ حديثٌ صحيحٌ، رواه أَبُو داود بإِسنادٍ صحيحٍ).
(وعن جابرٍ: أَن رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلسًا يَومَ القِيَامَةِ: أَحَاسِنَكُم أَخلاقًا، وإِنَّ أَبْغَضَكُم إِليَّ وَأَبْعَدَكُم مِنِّي يومَ الْقِيامةِ: الثَّرْثَارُونَ، والمُتَشَدِّقُونَ، وَالمُتَفَيْهِقُونَ، قالوا: يَا رسول اللَّه، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ، وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: المُتَكَبِّرونَ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ).
ومن كل ما سبق حاولوا أن تقولوا الفكرة بدون خسران حب من نتناقش معه ودون أن نخسر موضوع النقاش لكون من أمامنا سيسلم الراية ويقول لمن أمامه أنت شخص قادر على الإقناع والحوار البناء دون عنف أو قوة ولكن بقوة المنطق والدفاع بأدلة ووفق بعض المحفزات لمن تناقشه حتي تجعله يقر بصحة منطقك. وأوصيكم بوصية أن يكون اسلوب الحوار هادئ وكذلك يكون النقاش متبادل برؤية وقوة في اتجاه الدفاع عن وجهة نظر سليمة
0 التعليقات :
إرسال تعليق