التواصل الأسري !!
الأسرة هي العامل الأول والأساسي في تكوين الكيان المجتمعي والتربوي؛ حيث تُسهم الأسرة في تكوين شخصية الطفل وتعليمه العادات والتقاليد والتربية والدين ؛ لذلك هي من أهم مكونات المجتمع، وجعل الإسلام على الأب والأم مسئولية عظيمة في تربية أبنائهم: فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته. قال: فسمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (853)، ومسلم (1829)..
والتواصل الأسري أمر في غاية الأهمية والخطورة ويعني الاتصال الذي يكون بين طرفين (الزوجين) أو عدة أطراف (الوالدين والأبناء) والذي يتخذ عدة أشكال تواصلية، كالحوار والتشاور والتفاهم والإقناع والتوافق والاتفاق والتعاون والتوجيه والمساعدة، ويعني أيضاً التواصل في أبهى صوره ذلك التوحد بين الأفراد والتفاعل حتى يصبحوا أصحاب لغة واحدة ومفاهيم موحدة، أو على الأقل مفاهيم متقاربة.
ومع تلكم الأهمية فقد يغيب التواصل الأسري سواء بين الزوجين وذلك لغياب التربية على التواصل من الأساس، وكذلك خضوع الزوجين للضغوطات وللتبعية السلبية لأسرتيهما، حيث يتدخل أكثر من طرف في الشئون الداخلية للأسرة، وتصبح أسرة الزوجين هي المحاور بدل التواصل المباشر بين الزوجين في أمورهما الخاصة وأمور أسرتهما، فضلا عن ضغوطات وضروريات الأسرة، وكذلك التنشئة الاجتماعية السلبية التي خضع لها الزوجين، والتي لا تكرس القيم والعلاقات الاجتماعية التي تشجع على ثقافة التواصل مع الآخر، و على الروح الجماعية في تدبير الحياة الجماعية المشتركة، وعلى التشبع بأخلاقيات التواصل الإيجابي والفعال مع الآخر.
كما أن هناك أسباب لغياب التواصل بين الوالدين والأبناء كضرورة انصياع الأبناء لرغبات وقرارات الوالدين دون مناقشتهما في ذلك ( نموذج الابن "المرضي")، وكون الأبناء صغيري السن (وقد يظلون كذلك حتى إن كبروا) وبالتالي فهم غير مؤهلين عقليا لكي نتحاور ونناقش معهم بعض الأمور، وكون الأطفال عامة مشاغبين وعنيدين ليس أمامنا سوى إخضاعهم وتربيتهم بصرامة، ولا مجال للتحاور معهم والخضوع لرغباتهم وأرائهم، فضلا عن عدم تربية وتعود الوالدين على قيم وثقافة التواصل، فيعيدا إنتاج ذلك مع أبنائهما، وكذلك ضغوطات العمل والمتطلبات الأسرية المرهقة للولدين، قد تجعلهما يهملان تتبع وتربية أبنائهما، وبالتالي ينعدم التواصل مع الأبناء في القضايا والحاجيات والمشاكل (التربوية والنفسية والاجتماعية...) التي تهم الأسرة ككل، أو تلك التي تهم الأبناء... وفي هذا يقول الإمام الغزالي رحمه الله "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب. وإن عُوِّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له" (إحياء علوم الدين:106/4).
وللحديث بقية
محمد البلاسي
الداعية الإسلامي ومدرب تطوير الذات
0 التعليقات :
إرسال تعليق