كتبت الاعلامية. نورهان عادل
معنفات، مقهورات، صامتات، خائفات، مفكرات فى مستقبل مظلم، كل هؤلاء وأكثرهن نماذج لنساءٍ تجرعوا من الذل والقهر والألم ما لم يقوى على تحمله أى أحد، واقع مؤلم مفروض عليهن ولا حول لهن ولا قوة، لا يستطعن النجاة بأى شكلٍ من الأشكال ليفرض القدر عليهن طريق طويل من المعاناة لا بصيص للأمل فى أخر نفقه المظلم
خلف الجدران هناك قلوب تصرخ وجعاً دون صوت، بسبب ظروف المجتمع التى فرضت على النساء أن يرتدين خاتم زواج مجبرين دون التجرء حتى على التفكير فى طلب الطلاق، من بينهن المرأة التى لا دخل لها، كثيرين دائماً على قناعة أن المرأة التى لا تعمل أو التى لا دخل لها لا صوت لها، فهى مجبرة خاصة وإن كانت لا تحمل شهادة أو خبرة تؤهلها للنزول لسوق العمل على تحمل الطرف الأخر كيفما كان فهو يعرف جيداً أن لا حيلة لها ومدرك جيداً أن قرار العطاء والحرمان بيده، هؤلاء الرجال بوجه الخصوص لا يعرفون للرحمة عنوان فهو إستغلالى لأقصى درجة، إستغلال للجوع، المشاعر، الحاجه، وما يجعل المرأة ترضخ لمتطلباته هو الحاجه للمادة كى تحيا حياة كريمة آدمية تغنيها عن السؤال، لكن بالنظر بشكل أكثر واقعية للأمر نجد أنها تعيش على طلب العطف من طرف إن إستيقظ فى يوم غير راضىٍ عنها منع حقها دون وجه حق، ما أشقى هؤلاء النماذج من النساء وأكثرهن، فهى لا تملك رفاهية الإختيار بين سوق العمل والإعتماد على النفس وطلب الطلاق أو توقيف هذا النوع من الرجال عند حده، لتجلس فى النهاية بجوار أحد جدران منزلها الأشبه بالزنزانة لتبكى على ما قد فعله الزمن بها، على بعد خطوات قليلة يقع خلف الجدار المجاور لها من هى أكثر علم ومكانة إجتماعية منها لكنها بسبب المحيط الإجتماعى الذى تعيش به لن تستطيع طلب الطلاق حفاظاً على الصورة الراقية المرسومة لأسرة سعيدة خارجياً مهشمة داخلياً، لتصبح مضطرة لتحمل رجل قد يكون من أصحاب الكؤوس أو مدمنىّ المخدرات أو متعددىّ العلاقات لتجلس فى منزلها تربى أطفالها الذين لا ذنب لهم بالأمر سوى سوء إختيار والدتهم لوالدهم، فلا تجد فى النهاية سوى يداً تمسح على أوجاعها برفق بإسم القضاء والقدر والنصيب المحتوم، هؤلاء النماذج من النساء ليسوا أقل شقاءاً من التى لا تملك حق الحرية فى العمل أو طلب الطلاق حتى وإن كانوا أكثر ثراءاً منها، فإن كانت الأخرى حُرمت بسبب شهادتها أو بسبب أنها لا تستطيع العمل وكسب حريتها وحقها المسلوب وصوتها الممنوع من طلب الطلاق فتلك أيضاً لا تستطيع ذلك لأنها داخل محيط مجتمع لا يرحم ولا يقدر الظروف، مجتمع المظاهر هى العامل الأساسى للحكم على الأخرين ، لن تستطيع الصمود أمام نظرات الشماتة والإحتقار ولن تقوى على مواجهة المجتمع حاملة للقب مطلقة، حتى أطفالها سيعانون أشد معاناة بسبب الحط من قدرهم والتقليل منهم بسبب أنهم لا يملكون أسرة سويّه مستقرة مترابطة، بين هذه وتلك هناك إمرأة أخرى لا تقوى حتى على البكاء أو الصراخ هذه الفئة من النساء منتشرات بشدة خاصة فى المجتمعات الأكثر فقراً، فهى من المحكوم عليهن بالإعدام على قيد الحياة بعد زواجها من رجل مجرم خارج عن القانون، ليخرج بها عبر حدود الإنسانية والرحمة ويدخل بها لدائرة الإجرام والخوف وتظل سجينة لإجرامه وتهديداته المتواصلة وتصرفاته الغير محسوبة، فنحن أمام شخص لم يحترم الشرع قبل القانون، هتك الأعراض وإعتدى على الحرمات وطغى وتجبر بغير وجه حق على الأخرين فكيف له أن يحترم من تقع تحت سلطته المجنونة الغاشمة خاصة وأن الزوجة هى الشخص الأضعف بالنسبة للرجل دائماً، هذه النماذج من النساء تنتشر قصصهن البائسة بكثرة داخل ملفات منظمات حقوق الإنسان وحماية المرأة والطفل فالمعاناة التى تعيشها لا تعيشها بمفردها بل تعيشها مع أطفال مشتتين داخلياً ليس لهم أى أمل فى الحياة، وأخريات قصصهن تنتهى خلف جدران السجون بعد أن تقرر الزوجة فى لحظة بائسة ليس بها رجاء من تحرير أسرتها من هذه الزنزانة وتضحى بنفسها من أجل أسرتها وتقرر قتل الرجل والتخلص منه ليحيا أطفالها حياة أكثر بؤساً من قبل بين أب ذهب لمحكمة السماء وأم ذهبت لمحكمة الأرض، ويصبحوا فريسة سهلة للشوارع التى تفتح ذراعيها لهم لمصيرٍ ليس بالمجهول للكثيرين منا، هناك فئة أخرى من النساء ولكن هؤلاء سجناء أسرهم لا أزواجهم فهى صاحبة مستوى إجتماعى وتعليمى جيد لكن أسرتها لا تتقبل فكرة أن تكون داخل الأسرة إمرأة مطلقة، لتجبرها على العيش مع رجل لا تحبه ولا تتحمل مرور الأيام بجواره فقط حفاظاً على تقاليد الأسرة من أن تُكسر، وهنا تتحول المرأة لزوجة بلا مشاعر مهما بلغت درجة الرفاهية التى تعيشها أو حتى الفقر لن تشعر بأى نوع من السعادة أو الرضى وتكون بالأخير مضطرة للجلوس صامتة لتربى أطفالها لا أكثر، وقد تكون الأكثر عُرضة من غيرها من النساء أن يتزوج الرجل بأخرى بحجة أنها لا تشعر به، وما يصيب كرامتها فى مقتل أن تجد أسرتها تدعم موقف الزوج فى ذبح قلب الزوجة فقط حتى لا تحمل لقب مطلقة، لتتقبل ما لا يطاق بإسم الواجهة الإجتماعية وتقاليد الأسرة الهشة، الكثير من النماذج التى لو ذكرتها لنساءٍ ليس لهن الحق فى طلب الطلاق لن يكفى مجلدات، كالمتزوجة من الرجل البخيل ولا دخل لها ولا تستطيع العمل، أو المتزوجة من الرجل المتزوج سراً بسبب العنوسة والإفتقار للجمال الذى يجعلها لا تستطيع طلب الطلاق لتبحث عن فرصة أخرى، أو المتزوجة ولها أطفال لا تعرف كيف سيكون مصيرهم بعد الطلاق، أو التى لم ترزق بأطفال وليس لها أى أحد سوى هذا الرجل بالحياة،
ليس كل صمت خلفه قوة، فقد يكون خلف الصمت إنكسار وقهر ودموع لا يمسحها أو يداويها الزمن ويصبح الحزن هو الوشاح الذى تتشح به المرأة طيلة حياتها
إلى كل إمرأة تجلس الأن خلف جدارٍ من تلك الجدران … أعانك الله على ما أصاب إنسانيتك، وإعلمى عزيزتى جيداً أن هناك قلوب تشعر بمعاناتك وبما يحويه قلبك، ما كان مقدر لكِ أن تعيشى تفاصيله ستعيشيه بحلوها ومرها، لكن إياكِ أن تخشى مواجهة الظروف مهما بلغت صعوبتها فلا يوجد مستحيل إلا وكان لنا يداً فى أن نصنع له طريقاً من المستحيلات
والمصاعب التى حولته لشبحٍ مرعب يقف أمام حريتنا، إن لم تواجهى مصاعبك اليوم وتخرجى للمجتمع بقلبٍ محارب ستظلين حبيسة ورهينة لأوجاعك طيلة العمر، فالخوف لا يحصد سوى الخوف وفقدان الأمل
0 التعليقات :
إرسال تعليق