بقلم د. أمل درويش.
حين تكون سجينًا فمن حقك أن تنال حقوقك المعيشية من مأكل ومشرب ومكان يأويك، ولكن ذلك لم يعد مجديًا، وأصبح يشكل العبء الكبير على القوى المتحكمة؛ فمن أين لها بهذه التكاليف الباهظة خاصةً إذا تزايدت الأعداد، والأهم من ذلك كله من أين لها بِسلَّة التهم التي تكفي لتوزيعها عليهم؟
ولكن بلمسة سحرية وكبسة زر صار هناك حلًّا دون أدنى تعب..
وفجأة أصبح كل سكان الكوكب في حظر.. في حصار أشبه ما يكون بالثكنات ولكنها هذه المرة ثكنات داخل البيوت..
دون أي تكلفة، دون الحاجة لتهم، أو تحديد مدد الأحكام، دون حتى أي اعتراض؛ فمن سيعترض إذا كان عدوّك المجهول أشد فتكًا من أي سلاح، ولا تستطيع كل الجيوش على وجه الأرض إيقاف زحفه الناعم كحيّة تتسلل من تحت الرمال وتهاجمك من حيث لم تكن تتوقع.
الآن وبكل بساطة غابت كل الأخبار، واختفت أخبار مسلمي ميانمار، ومسلمي الإيجور واختفت صور الطائرات الأمريكية المحلقة في سماء بغداد والصواريخ الروسية في سماء سورية والمعارك الدائرة في أودية اليمن، والجرح الغائر في خاصرة الأمة ما زال نازفًا من قلب فلسطين وغيرها من بقع القهر والدماء المسكوبة والمذابح..
كلها اختفت وضاعت ملامحها، وكما يقول القائل لا صوت يعلو فوق صوت المعركة..
ومعركة الكوكب الآن مع ڤيروس كورونا وكل العقول والأبصار شاخصة، معلقة بالشاشات لتتابع آخر أخباره..
وتتضارب الأخبار وتتنوع التكهنات لتدخلك في المزيد من اللبس لتشغل تفكيرك وأنت الآن في معزل عن كل ما كان يشغلك، وعقلك لديه الفرصة الذهبية التي ربما لا تتكرر إلا نادرًا ليتفكر ويتدبر ويعتبرها نقطة فاصلة يعيد فيها ترتيب حساباته، ولكن هيهات!
فليس من حقك أن تفكر أو تضع لنفسك خططًا مستقبلية تنظم بها حياتك وتعيد ترتيبها..
أنت الآن أصبحت مجرد رمز في تسلسل لا متناهي من شفرة معقدة، لا يملك خارطتها سوى عدد قليل جدًا ممن يحكمون قبضتهم على هذا الكوكب..
وليس من حقك للأسف الخروج عن دورك أو تغيير وظيفتك..
في القرن الماضي كان جلّ ما يثير الذعر في نفوسنا هو غزو فضائي يأتينا من الفضاء السحيق في أطباقٍ طائرة ويسيطر على كوكبنا السعيد فنصبح عبيدًا لهم، مجرد تابعين..
والآن اكتشفنا كم كنا بسطاء، أنقياء وأن بيننا أقسى المخلوقات التي خلقها الله في هذا الكون، وأن كوكبنا من أتعس الكواكب معاناةً وقهرًا..
على رنين هاتفي استيقظتُ فزعةً، لأكتشف أن ما عشته منذ لحظات كان كابوسًا لم يستغرق في عمر الزمان سوى ثوان..
0 التعليقات :
إرسال تعليق