آسرتها في نفسها بقلم :جهاد رمضان





وقفت أمام باب الشقة وهي تتنهد مدت يدها وأخرجت من جيبها مفتاح الشقة ودقات قلبها تدق ببطئ  شديد إنفتح الباب.كل شئ كما هو ولكن أطلال.في تلك اللحظة ظهر كل شئ أمام أعينها كأنها فقدت بصرها طوال حياتها واستردته اليوم. بل في تلك اللحظة.تقدمت بخطوات ثقيلة إلى المقعد  جلست واستكانت فبعد طيلة الرحلة عادت إلى منزل أبيها أخذت تتحسس بأناملها المنضدة التي بجوارها  كم تلك الأتربة التي إجتازت المنزل وكأن أتربة العالم سكنت في قلبها لاعلى الأسطح .حتى اصطدمت بألبوم الصور كم تغيرت ملامحها وكم تغير الأشخاص الذين بجانبها بالصور والشعور بهم أيضا .فنحن نوهب الحب ومن معنا يبقوه بتصرفاتهم أويزيلوه .تبسمت لصورتها وهي في العشرين من عمرها ولرشاقتها وهي تلعب التنس.وسرعان مااختفت بسمتهاحينما شعرت بألم في ساقها فلم تعد الفتاة الجميلة ذو العينين العسليتان البراقة  التي تشع حيوية بل هي السيدة الأربعينية الثقيلة المليئة بالخيبة وصاحبة العين الواحدة. فهي من جعلتهم يحتلوا أرضهاالطاهر ليغتالوا أحلامها وأمانيها أعطت من روحها لكل شئ حتى تلاشت هي كم كانت عيناها جميلتان قبل أن تفقد إحداهما .تذكرت آخر يوم لها في بيت أبيهايوم زفافها الفرح والناس يزغرطون والحب يطفوفي تلك اللحظة. فلما لاتسعدبتلك الليلة وهي ستتزوج بمن أحبته وليكن التعبير لها حقيقة ستتزوج من شاب وسيم   ذو جاذبية فعالة أوقعت قلبها في حبه.أنبهر الجميع بوسامته فمعرفتها به لم تتجاوز الثلاث أشهر  تعرفت عليه في النادي وسرعان ما تم الزواج ولرغبة والدتها في الإطمئنان عليها وبرؤيتها عروس.  لكن سرعان مامرت ليالي العسل وشعرت بمن يتحرك في أحشائها ،تجمعت سعادة العالم وأمانيه في هذا الشعور  مما جعلها تتغاضى عما تراه من تجاهل زوجها  وعدم تحمله للمسئولية فهو لم يستمر في عمل واحد لبضعة أشهر هو يرى أن بوسامته لابد من أن يكون نجما سينمائيا .تجاهلت الكثير من أجل طفلها نسيت أن لديها كرامة حين رأت  رسائل خيانته لها.تغاضت تغاضت عن كل ذلك إحتوت نفسها وتحسست بطنها وظلت تتحدث مع جنينها قائلة أنت الصديق والقريب أنت السند لي يوما .فكانت تنتظر أن يضربها في بطنها لتطمئن أنه بخير. تقوم لتتناول الخبز مع السكر لتنشط جنينها وتعتذر له عن ضيق الحال اليوم وتقصيرها معه فهي لم تتغذى تمام التغذية لضيق المال لعدم عمل زوجها .وكانت تحدثه دائما أنت أجمل ماأملك وأكثر ماتمنيت أنت السندوالحب القريب والحبيب.حتى إن جاءت لحظة الولادة كان زوجها للأسف مازال في غفلته   بل زاد فقد تعرف على إمرأة خمسينية لكنها تملك المال الذي تمناه ليكون بطل نجم سينيمائي.وبالفعل سافر معها لشرم الشيخ لتصوير أول لقطات فيلمه الجديد وأول خطوة للشهرة حلم حياته .وعلى الطرف الأخر كانت زوجته قد تغير لون جسدها وانتفخت قدماها وأنفها مما نفره منها وكانت هي بمفردها فرحة بكل ذلك..وحان وقت الولادة إذ هي بمفردها أيضا فأخذت تتسند حتى ركبت التاكسي وكانت لاتتحمل من شدة الألم وصلت المستشفى واستلقطتها الممرضة من أمام باب المستشفى وأسرعتها للعمليات ووضعت طفلها كم كانت الولادة صعبة جدااومرت لحظات الولادة كأنها سنين. شعرت حينما وضعوه بجانب رأسهاليستشعر بها وتشعربه. فلقد أثنى الطبيب لقوة تحملها فقدكانت الولادة صعبةبالإضافة إلى ضعفها وضعف جنينها كان قلق جداا.. في ذلك الوقت ساندتها جارتها التي لم يكن معها سواها وظلت معها إلى أن عادت للمنزل. وبعد مرور شهر على الولادة دق الباب ،ودخل زوجها عليها وهي نائمة وبجانبها طفلا جميلا،اتجه نحوهما بخطوات هادئةوقبل طفله للمرة الأولى. فاستيقظت وهويهمس طفلي قاطعتهاالآن تذكرت أن لك زوجة وطفل وهي لم تسفر عن وجهها.قال لها لالم اقدر أن أنساكم يابيبي لكن تصوير فيلمي أخذ كل وقتي والمنتجة لم تقبل بنزولي خوفا من الخسارة.فكشفت عن وجهها من تحت البطانية فوجدها بعين واحدة والثانية عليها قطن فقال مندهشا مابك ماذا أصابك؟فاندفعت من على السرير واتجهت مسرعة إلى الصالة.لاشئ فقد أصيبت بضعف شديد أثناء الحمل وأثر ذلك على عيني وكان لابد من استئصالها .لم يعلق بكلمة واحدة وكل ما دار في ذهنه حينذاك أن موعد  عرض فيلمه قد اقترب الاسبوع المقبل كيف لها أن تحضر معه أو أن يعرفها على عالمه الجديد فلم يبدي لها أي شئ وظل ساكتا ولكنها كانت تحس بما يدور في ذهنه فتركته ودخلت حجرتها واحتضنت طفلها ونامت في هدوء ..مرت عدة سنوات وأصبح الطفل صبي ذوالعشر سنوات يدرك تماما لما يدور حوله.فهو ابن الفنان المشهور الذي لم يره طيلة حياته سوى ثلاث مرات كان آخرها حين دا  خلاف كبير مع والدته حين صارحته بإهماله الشديد لها ولابنها وزواجه من منتجة أفلامه المرأة الخمسينية.وكان كلام والده  يدق بأسماعه محفور بذاكرته .نعم تزوجتها ألم تري شكلك إنكي عورة كيف لي أن أظهر معك.فمن الآن ستصلك ورقة طلاقك وسألتزم بمصاريف ابني فتطبع الصبي بهذه الكلمات بأن أمه عورة ولايحق لها أن تظهر معه وزاد الأمر تعقيد حينما تنمر عليه بعض من زملاءه بالمدرسة حينما رأوا أمه معه وقالوا له أمك عورة. ظل يبكي إلى أمه كثيرا وأحتضنته في هذه الليلة وهويبكي على رجليها وهي صامتة لاتقول شئ. أصيب في تلك الليلة بسخونية وظل يلفظ أمي عورة فأحتضنته وأخذت تطبطب عليه وهي تبكي مناجية ربها ياالله إحفظه لي فهو السند والحبيب والعوض.  ومرت السنين كبر الصبي وأصبح طبيب تخصص في طب العيون ليتخلص من عقدته مع أمه.وظل طيلة حياته يخجل من الخروج معها ويرفض بشدة إلى أن حدث بينهما فجوة.وجاء يوم أن أحب وأراد الزواج من ابنة أستاذه جاء لأمه وأخبرها وقتلها بخجله من أخذها معه وعليها أن تبقى في البيت وسيذهب بمفرده. كانت كلمات صادمة لها كسرت بها كل أمل وضعته به.كالطفل الذي تلقى صفعة وهويأكل من صدر أمه لأنه آلمها وهويرضع بعد كل الخذلان توقف العالم وأصبح بلامعنى .كالذي ركض طويلا على حصان  رهن عليه بالفوز لامحالة وهويركض في أرض غير أرض السباق حينها قررت أن تنسحب وتذهب لبيت أبيها.وذهبت إليه المستشفى لتخبره بعد أن أخذت شنطتها وكانت المرة الأولي التي
تذهب فيها إليه في عمله وحين رآها وهويقف مع أستاذه ومديره ذهب إليها مسرعا ونهرها سائلا ماذا جاء بكي إلى هنا؟قالت سأذهب إلى بيت أبي أريد أن أكون بمفردي فقال كما تريدين المهم اذهبي الآن  ثم رجع لمديره الذي ظل يراقب الموقف بتمعن شديد قال له أتعرف هذه السيدة؟ردمسرعا لاإنها تريد مساعدة فقال مندهشا تريد مساعدة لا أظن فأنا أعرف هذه السيدة جيدافلم أرى في عزة نفسها وجمال عينها فقد جائتني من طبيب توليد صديق لي وشرح لي أنها ولدت طفل لديه مشكلة بقرنية عينه قدتصيبه بالعمى طيلة حياته وحينها بكت لي كثيرا لكي ابدل قرنيتها لإبنها وترجتني بألا أخبر أحد  فهي لاتريد أن تكسر وليدها بهذا في يوم من الايام أو أن يشعر بالذنب..يالها من إمرأة رائعة. قاطعه صوت بكاءه.فعلق مندهشا ماذا يبكيك؟ قال هي أمي وأنا أنكرها دائما بسبب عينها.فقال ساخطا إذهب وتوسل إليها بأن تسامحك..
دق الباب..
قامت من كل ذكرياتها وآلامها لتفتح إذ هوابنها خر ساجدا  تحت قدميها متوسلا بأن تسامحه وتغفر له خطيئته وظل مرددا أنا السند والحبيب وأنتي عمري القديم والجديد..عيونك سكنت عيني..وأنا لقلبي عنيد..ذاب القلب لكي عشقا..لوعلم ماأسرتيه في نفسك..لنصبتي لي محكمة وأنا لكي مطيع .


شاركه

عن احمدعبدالكريم

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus