لقاء خرافيّ بين الوجع و نصفه ..قصة قصيرة بقلم / عادل الدبابي

.


            


رأيتها من ثقب باب مدينتها، كانت تمشي بقربي في شارع طويل أسمع طقطقات حذائها العصري على وقع خطواتها كنت اسمع و كأن الخطوات عزف على وتر حزين تنهيدة... ثم صراخ الآهات بصوت خافت زلزلني، قلت في همس حتى لا ازعجها : سيدتي سلامي لك، هل لك ان تلتفتي إليا بنظرة واحدة؟ لم اسمع جوابا، مشينا خطوات ثم أزاحت ستار الخجل وإلتفتت، صعقت عيناها خافقي بنظرة لثوان قليلة و اكملت طريقها حتى غابت عن نظري ، وقفت و تسمرت في مكاني كالصخر ، لا أعرف مالذي حصل فقط كأنها قالت في نظرتها تلك : ماذا عساي ان اقول؟ من انت حتى تسأل؟ هل جئت تبحث عني أم عن حاضر أليم يَخِزُ قلبي ليل نهار؟ أم ماضٍ ضاع منك و مني؟  حسنا سأقول لك شيئا بشرط أن تمضي في طريقك بعدها و لا تلتفت إلى مدينتي وتنسى هذا الشارع، أنا يا سيدي إمرأة مذ بعثت في وعي فكرها أنثى كنت أتذوق المعاناة و اتجرعها  رشافا رشافا، مذ كنت طفلة شعرت أنني في مكان ليس بمكاني و زمان ليس بزماني، غربة تكتسحني أينما ذهبت حتى وان الكثيرين يحبونني و يعبرون عن ذلك، لم تكن كلماتهم تصل حتى باب قلبي لأشعر بها فتمر وكأني لم يقولوا شيئا، كانت السنون تمضي و تأخذني في طياتها كقطار مستعجل على الرحيل كنت أشعر  أني أعيش كما يسمى السفر بين ثقب الزمن، درست و تعلمت عشت في عائلة عادية لكن ذاك الشعور بالغربة كان يلازمني كطيف يغازلني عرفت الكثيرين أقترب مني الكثيرين، كنت انظر في عيون الجميع و لا أجدني، وكان نبضي يصمت كلما تعالي نبضهم، حتى أني كنت أشك أن مشاعري في سبات عميق تسكن كهف السنين، كانت لي صديقات كثيرات قربت بعضهن مني حتى أتظاهر باني عادية  و كنّ يمتلئن غيرة وحسدا رغم انهن لا يظهرن لي لكني كنت اقرأه في عيونهن، ساعدت من ساعدت منهن ووقفت مع العديدات في مواقف جدا صعبة، كنت اهتم بهن و بشؤونهن و لا أسأل نفسي لماذا، تجاهلت وجودي كثيرا كنت أحاول ان اشغل نفسي بأي شيء حتى لا أفكر، ومن الجنس الآخر تقرب الكثيرون مني و حاولو كسب مودتي لكن نفس ذاك الشعور، كنت أشعر بالغربة دائما حتى أنه لم أشعر يوما أن أحدهم حرك مشاعري أو انوثتي أو ترك بصمة منه جعلتني افكر فيه بل كلما ذهب حذف من ذاكرتي بعدها ولا يطيل المقام عندي، مرت السنوات بأيامها بلياليها كنت أعيش اليوم بإنشغالاتي التي أختلقها، أما الليالي أمضيها مع ونيساتي الوحدة، التنهيدة و الآهات التي جرحت صدري و دموع تنساب على ورود خدودي لتترك اثرها، كنت أبحث عن شيء ليس كما يحيط بي، ابحث عن إختلاف، سفينة بعيدة تأخذني ولو من دون مجداف، فقط كان طيفا يلازم خيالي كل ما اسدل الليل ستاره و عانقت وسادتي، طيف لا أعرف تفاصيله فقط ما كنت اعرفه هو أنني انتظره مع إطلالة كل صباح لكن للأسف لم يأت وكان الإنتظار عنواني، كنت أشعر وكأني أجمل الورود في الحديقات ومهما حلقت فوقي الفراشات و تراقصت الزهرات دائما انتظر شيئا مختلفا ولا يأت، كبرت و كبرت فيا أمنياتي و أحلامي حتى جاء يوم وجدتني في بيت أجهله و حضن رجل لم اعرفه و عالم لا أحذق منه شيئا، لم أكن أشعر بما يحصل حينها كنت اسمع الزغاريد و الولاويل والتهليل و المرح وكأنه لم يكن يعنيني، زينوني، جملوني جهزوني، وفي غفلة مني هناك ارسلوني، افقت مجبرة على وضع جديد، مطالبة أنني أساير كل تفاصيله رغما عني و أتظاهر بالبسمات و الضحكات مجاملة، ما أرّق مهجتي و أحزن قلبي، لم يسأل احد عن كياني و وجودي و فكري و ثقافتي و علمي، لم يهتم احد لتفاصيلي، أني كيان قائم الوجود، لي نبض و مشاعر ، انا أنثى ببريق الياقوت، انا زهرة الصبايا و سيدة النساء، أنا قمر ينير من حوله كل ظلام، فكيف اسجن هنا و بين قضبان السنين والعادات يحكم عليا دون سؤالي؟ يااااا الله ماذا فعلوا بي؟ وماذا فعلت بنفسي؟ ضياع، توهان غربة زادت غربتي، تصورت ان التنهيدة ستفارقني و الآهات ستسافر بعيدا والحزن يترك جنتي، لكن للأسف يا سيدي كان كل ذلك تهيآت و أمنيات تبقى معي ما بقيت في الأنفاس.

هل عرفت الكآن يا سيدي من اكون؟ أنا تلك التي سألتها فأجابتك، بالله عليك لم سألتني؟ لم جئت تنخر وجداني و تبحث عن أحزاني؟ إرحل ولا تأتي هنا ثانية، كفاني ما أعيشه و لا تبحث من جديد في زاوايايا، و أبعد عني عيونك تلك و عطرك و خيالك و نظرتك هذه، إرحل سيدي ارجوك و لا تعد.

قالت تلك الكلمات و واصلت خطواتها و انا تسمرت في مكاني  لا أعرف هل جدت ابحث عن نفسي هنا ام جئت أضيعها في رموش عيناها ام وجدتني في حكاياها أما أنا تهت في أمنياتي و عزف خطاها.


شاركه

عن الكاتبة الصحفية دعاء سنبل

عالم العلم والمعرفة
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

disqus

disqus